أسباب ضعف الأمة الإسلامية والحرب الحضارية والغزو الثقافي
الجمعة 26 شهر رمضان 1421هـ المصادف 22 كانون الأول2000م
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي تجلى لعباده الصالحين, فأدركته بصائرهم بنور اليقين, وبرز لخلصائه المتقين, فلم يغب عن ملاحظة خواطرهم في وقتٍ ولا حين, ألبسهم من حلل وصاله ما طاب به منهم النَجار, وحصل به لهم الفخار, وأفاض عليهم من شآبيب قربه ما أغناهم به عن النظر إلى الأغيار, تنزَّه عن شُبُهات المُشبِّهين, فأنكرته قلوب القاصرين, وترفَّع عن صفات المخلوقين, فتاهت في معرفته عقول الجاهلين, كان سبحانه وتعالى كنزاً مخفيا, فخلق الخلق لمعرفته[1], وأرسل لهم الرسل بلطفه ورحمته, وندبهم لسلوك جادَّة طاعته, وزجرهم عن السير في طريق معصيته, وبعث النبيين مُبشِّرين ومُنذرين بين يدي رحمته, ليحيى من حيَّ عن بيِّنته, ويهلك من هلك بعد إقامة حجته.
أحمده سبحانه في حالتي الشدَّة والرخاء, وأشكره تعالى في السرَّاء والضرَّاء, وأستعينه على فواجع القضاء, وأستنصره على المتقصِّدين والأعداء, وأعوذ به من الإمداد والإملاء, وأسأله الفوز بمنازل السعداء, والحشر مع النبيين والصديقين والشهداء.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في الدنيا ولا في الآخره, وأتوكل عليه في دفع كل متقصدٍ بسوءٍ فهو ذو القوة القاهرة, وأعتمد على كتابه في كل واردةٍ وصادرة, وألتزم الدعوة الى صراطه فهو سبيل الخير في الدنيا والآخرة.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله, وحبيبه وخليله, وصفيُّه ودليله, أرسله بالكتاب المسطور, والعلم المأثور, والضياء اللامع, والنور الساطع, والدواء النافع, فبلَّغ أتم الشرائع.
صلى الله عليه وآله عماد الدين, وحفظة الشرع المبين, بل أساس اليقين وأئمة المسلمين, وخلفاء رسول رب العالمين, الذين بفضلهم وعلوِّ شأنهم أشادت آيات الكتاب المبين, وبوجوب موالاتهم تحدَّث سيد المرسلين, وبخدمتهم يفتخر جبريل الأمين.
عباد الله, أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله سبحانه في جميع الحالات, والالتزام بأمره ونهيه ما دمتم على قيد الحياة, وتجنب المعاصي والآثام مدى الليالي والأيام, وتكرار التوبة في كل صبحٍ وعشية, فإنكم لا تدرون متى تُدعَون من قِبل داعي المنية, ولا تعرفون وقت مفارقة هذه الدنيا الدنية, التي قد لعبت خمورها برؤوسكم, فألهتكم عما هو مطلوبٌ منكم, وزيَّنت لكم ما يضركم ولا ينفعكم, وأبعدتكم عن ربكم, فأصبحتم على خسيس عيشها تتنافسون, ومن جامات سمومها تكرعون, وعلى بساط أُنسها تتسامرون, لاهيةٌ قلوبكم عن ما ينتظركم, مغمضةٌ أبصاركم عن ما هو محدقٌ بكم, فدعوا ما بقي من فتات سفرتها, وأفيقوا من سكرة صبوتها, ولا تفتتنوا بما تُزوِّقه لكم من محاسنها, ولا تغتروا بها فإنها, لا تدوم لمن وثق بها وصدَّق دعوتها.
عباد الله, انظروا الى أحوال المسلمين وكيف وصلوا الى ما هم عيه من الضعف والخوَر, والمهانة بين الأمم, بعد أنْ كانوا هم القوة الضاربة التي يخشاها سكان الأرض, وتتزلف لهم دول العالم, وتتطلع إليهم الشعوب ليأخذوا بيدها نحو التطور والرقي, انظروا كيف تبدَّلت بهم الأحوال, كيف أصبحوا أذلاء يعجزون حتى عن الدفاع عن بلدانهم ومقدساتهم, ويستجدون الأعداء أن يرفقوا بهم ويعينوهم على حفظ حياتهم وعروشهم وكراسي حكمهم, يطلبون من الكفار أن يُرسلوا قوةً لحماية الفلسطينيين من العصابات الصهيونية, فأين جيوشهم؟ أين قواتهم لتقوم بهذه المهمة؟ ولكن كيف تستطيع جيوش المسلمين أن تذهب الى أرض فلسطين لتدافع عن أهلها وهذه الجيوش ذاتها تعتمد في تسليحها على حماة الصهيونية ويعتمد الكثير من حكام هذه الدول على حماية المخابرات الأجنبية؟ إن المسلمين والعرب يعجزون حتى عن إيصال الغذاء والدواء للمحاصَرين في المدن والقصبات الفلسطينية فضلاً عن إرسال الجيوش أو السماح لمن رغب في الجهاد من مواطنيهم ورعاياهم في الجهاد أن يعبر ما اتفقوا عليه من الحدود مع المغتصبين.
تفكَّروا يا عباد الله فيما وصلت اليه أمتنا من الذل والهوان, هل يمكن أن تصل إليه لو أنها التزمت بشريعة الله؟ هل تتصورون أن نكون كما نحن عليه اليوم من التأخر في جميع ميادين الحضارة والعلم والصناعة لو أننا تمسكنا بتعاليم الله سبحانه ولم نتبع أهواءنا ولم نسمح لكبرائنا وزعمائنا باستغفالنا وتمزيق صفوف هذه الأمة وتحويلها إلى كياناتٍ ضعيفةٍ بدل أن تكون دولةً قويةً واحدة؟ ترتفع الصيحات بمطالب فرض المقاطعة على البضائع الأمريكية, لأن أمريكا تعتبر المغتصبين حلفاء استراتيجيين لها, ولكن أي البضائع سيقاطعون؟ سندويشات الوجبات السريعة هي التي ستهير الاقتصاد الأمريكي وتجعل الأمريكيين يضغطون على حكامهم ليُعدِّلوا مواقفهم؟ لماذا هذا الاستغفال للناس بهذه الدعوات الباطلة؟ لماذا لا تقاطع المصارف والبنوك الأمريكية؟ لماذا لا تسحب الدول الإسلامية ودائعها من البنوك الأمريكية؟ لماذا يُستجدى رأس المال الأمريكي للعمل في البلدان العربية والإسلامية؟ لماذا لا تُعمل استراتيجيةً حقيقيةً لمقاطعة الشركات الداعمة لاقتصاد الصهاينة المغتصبين لفلسطين؟ إن الدعوة إلى مقاطعة البضائع الأمريكية شيءٌ جميل, ولكن يجب أن تكون على المستوى المؤثر في الأقتصاد الأمريكي, وإذا لم تكن كذلك لا تعدو أن تكون استغفالاً للبسطاء من الناس ولعباً على ذقون الشعوب, فلن يتضرر الاقتصاد الأمريكي من مقاطعة بائع الفطائر ما دام النفط العربي والإسلامي يصب في خزانة الأمريكيين, هل عرفتم لماذا لم يطالب علماء البحرين بالمقاطعة كما فعل غيرهم؟ لأن علماء البحرين لا يريدون أن يستغفلوا ضعاف الناس ويطالبوا بمقاطعة بائع السندويشات, ثم ما بال الدول الأخرى التي تدعم المواقف الأمريكية, بل تدعم الوجود الصهيوني في فلسطين, لماذا نحاول في الوقت الحاضر من التستر عليها؟ أليس كلها مسؤولةٌ عن ما حل بنا من الهزيمة في فلسطين؟ ألم تكن بريطانيا هي التي سلَّمت الأرض الفلسطينية لليهود؟ أليست هي التي تبنَّت مطالب الصهيونية في تحقيق الوطن القومي لهم على حسابنا وأعطتهم من القوة ما هزموا به جيوش الدول العربية مجتمعةً في عام ثمانيةٍ وأربعين؟ أوليست فرنسا مشاركةً لها في قرار التقسيم والاعتراف بحق اليهود في هذه الأرض؟
عباد الله, إن الجرح عميق, والداء خطير, ولا يمكن أن يُعالَج بالمهدِّءات والمسكِّنات السياسية, ولن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أمر أوائلها, إن المشكلة الحقيقية ليست هي احتلال هذا الجزء من الوطن العربي أو الإسلامي أو ذاك, حتى لو كان أرضاً مقدسةً كالقدس الشريف, ولكن المشكلة تكمن في الأسباب التي مكَّنت الأعداء من الاحتلال, ما احتُلت القدس إلا بعد أن احتُلت مصر والعراق, إلا بعد أن احتُل المغرب العربي وطهران, إلا بعد أن احتُلت أنقره ودلهي ولاهور, فهل تحررت كل هذه البلاد من الاحتلال ولم تبق إلا فلسطين؟ أم لا تزال جميع الشعوب الإسلامية أو معظمها تحت الاحتلال؟ ما لم تعد الشريعة الإسلامية هي شريعة المسلمين, هي مصدرهم التشريعي الوحيد, فالاحتلال لا يزال باقياً, لا تحاولوا أن تدفنوا رؤوسكم في الرمال, لا تحاولوا تهدئة المريض بالمخدرات, تُحتل الدول العربية والإسلامية بالجيوش حتى احتُلت أذهانهم, لم تُغزَ الدول العربية والإسلامية حتى غُزيت عقولهم ونفوسهم, إلى اليوم لم تتحرروا من الغزو الفكري والثقافي, فكيف بكم تريدون التحرر من الهيمنة الاقتصادية والعسكرية؟ إن الحرب التي ثارت بين العرب والمسلمين من جهةٍ وبين الغربيين من جهةٍ أخرى هي في حقيقتها حربٌ حضارية, والذين يدعون إلى الديمقراطية أو الاشتراكية أو الشيوعية أو غيرها هم جنودٌ مجنَّدون في حرب هذه الحضارة التي نتبناها, هذه الحرب حربٌ حضارية, حربٌ ثقافية, ولا تزال العقول التي تتحكم في شؤون المسلمين محتلةً ومستعمرةً للثقافة الوثنية الغربية, لا يوجد في البلاد العربية بل ربما معظم البلاد الإسلامية دستورٌ واحدٌ ولا وثيقةٌ رسميةٌ واحدةٌ يقرر بها أن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع, بل لعل أحسن هذه الدساتير هو الذي وصل في نظرهم إلى قمة التمسك بالأصالة فقرر أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع, أو مصدرٌ رئيسيٌ للتشريع, عن أي شيءٍ يكشف هذا الأمر؟ إنما يكشف عن أن العقول لا تزال مُحتلةً من قِبَل الثقافة الغربية, فهي لا تعتقد بأن الشريعة الإسلامية قادرة على مواكبة الحياة, قادرة على إيجاد القوانين الصالحة لتسيير الأمور, هذا إذا حملنا هذه المواقف على حُسن نية القائمين عليها, وإلا فهي في الحقيقة دفاعٌ عن المؤسسات الاستعمارية حتى تنخر في جسم الأمة, فيوم يُقرَّر بأن الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع ستنهار بيوت المال الغربية وتعجز عن العمل في البلاد الإسلامية, لأنها لن تتمكن من أخذ أموال المسلمين ثم إقراضهم إياها بالربا, لن تتمكن من إخراج المليارات من الأموال لتعمل في بلاد الكفر بينما لا تنشئ الصناعات الثقيلة في بلدان المسلمين, هم يريدون للبلدان الإسلامية أن تكون مستهلكةً لا مصنِّعة, لا يريدون للمسلمين أن يكونوا قوياء ومستغنين عن الآخرين, خاصةً فيما يُمكِّنهم من الدفاع عن بلدانهم كصناعة الأسلحة, ولذلك يُعترض على كل مشروعٍ نوويٍ في البلاد الإسلامية, ولا يُعترض على المشاريع النووية عند الأمم الأخرى, لا يُعترض على المشروع الصهيوني, لا يُعترض على المشروع الهندي, لا يُعترض على أي مشروعٍ آخر, ولكن يُعترض على المشروع الباكستاني, ويُعترض على المشروع الإيراني, وهكذا من المشاريع التي تُقام في البلاد الإسلامية.
فيا عباد الله, انتبهوا إلى أنفسكم, انتبهوا إلى ما أنتم عليه, عالجوا أنفسكم, وطهِّروا أفكاركم وعقولكم من درن ما ران عليها من الثقافة الاستعمارية, فإنْ نجحتم في ذلك فأنتم قادرون على استرجاع كلما سُلب منكم, ابحثوا داخل أنفسكم فإنَّ خوَر الإنسان وعجزه ينبع مما في نفسه, ولن يتغير مستقبله ولن يتغير حاله ما لم تتغير نفسيته, يقول سبحانه وتعالى: ]إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[[2], تسعَوْن إلى التغلب على عدوٍ تستجدونه أن يُمدكم بالسلاح الذي تريدون أن تحاربوه به؟ تريدون أن تنتصروا على عدوٍ هو موضع تقديركم في أنظمته وشرائعه وقوانينه, تُبيحون ما يُبيح وتُحرِّمون ما يُحرِّم, وتدعون إلى الأخذ بمبادئه وأنظمته؟!!
فاتقوا الله عباد الله وتنبَّهوا من هذه النومة التي لا تريدون الإفاقة منها, دعوا عنكم تحمُّل مسؤولية الأجيال القادمة بما تنادون به من الأخذ بغير الشريعة الإسلامية لتنظيم الحياة.
جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه, إنه بالمؤمنين رؤوفٌ رحيم.
إن خير ما خُتم به الكلام, وسار على هدْيه الكرام, كلام الله الملك العلام, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا & وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا & وَقَالَ الأنْسَانُ مَا لَهَا & يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا & بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا & يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ & فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ & وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ[[3].
وأستغفر الله لي ولكم إنه غفورٌ رحيمٌ وتوابٌ حليم.
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الظاهر لا بعيان, القاهر لا بأعوان, الماجد لا بعُدد, والواحد لا بعَدد, السميع البصير لا بآلةٍ وتبصير, أكرم فتفضَّل, وأنعم فأجزل, ورزق فأحسن, وخلق فتفنَّن.
نحمده سبحانه على سوانح رواشح فضله الغامر, ونشكره تعالى على عوارف ذوارف جوده الهامر, وغوالي لآلئ منِّه الوافر, ونسأله أن يجعلنا من المتنعمين بنعم دار الثواب, الذين أُرخي بينهم وبين دار العذاب حجاب, وفُصِل بينهم وبين الأشقياء بسورٍ له باب, ]بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ & يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ[[4].
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الجبار, الذي لا تتمثله الأفكار, ولا تشاهده الأبصار, ولا تحويه الأقطار, ولا يُقدَّر بمقدار, ولا يعزب عنه شيءٌ مما يحدث في الليل أوالنهار.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله مركز دائرة الفَخار, وسيد رسله الأطهار, وعبده الذي أنزل عليه سكينته يوم الغار, وأيَّده بالبطل الكرار, حامي الجار, وقامع الكفار, الضارب بذي الفِقار, والقاصم من الشياطين الفقار.
صلى الله عليهما وآلهما الأطهار, ذوي المجد والفخار, المعصومين عن الذنوب والآصار, صلاةً تدوم بدوام الدهور والأعصار, وتتجلى عنا ببركتها جميع الأخطار, وتُحط عن رقابنا ما حُمِّلت من الخطايا والأوزار.
عباد الله, أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله التي بها وصاكم كما وصى الذين من قبلكم, فالتقوى مفتاح الخيرات, وسُلَّم الكرامات, وطريق الفوز بالجنات, والجُنَّة الواقية من التردي في الهلكات, والتقوى دليل الإخلاص في الإيمان, بل هي روح الإسلام, وحقيقة الطاعة والاستسلام, فراقبوا الله سبحانه في الأقوال والأفعال, ولازموا شرعته تنجحوا في المبدأ والمآل.
عباد الله, إنكم في آخر جمعةٍ من شهر رمضان المبارك, وهي من أعظم الأيام وأشرفها وأكثرها بركه, فلا تضيِّعوها سدى, بل املؤوا ما تبقى من ساعاتها بالأعمال الصالحة, والتجارات المربحة, والقربات التي ترفع منازلكم عند رب العباد.
عباد الله, إن شهر رمضان قد آذنت أيامه بالانصرام, وأوشكت آناته وساعاته بالانتهاء, فاستعدوا لتوديعه بما يُقرِّبكم إلى الله من أفعال الخير, كالمناجاة لله في الأسحار, والإكثار من الأدعية والاستغفار, وتلاوة القرآن الكريم في الليل والنهار, والتحنن على الفقراء والأيتام, فلا تتركوا الأطفال الصغار الذين افتقدوا عائلهم يحسون وهم بين أظهركم بالحاجة والانكسار, اكسوهم كما تكسون أبناءكم, واعطوهم مما خوَّلكم الله به فاعتبرتموه ملكاً حقيقياً لكم, يُحسَب لكم غداً عند خالقكم, تذكروا شعوباً من المسلمين يعيشون الحاجة والضيق, كشعب العراق والشعب الفلسطيني, هذين الشعبين الذين ناصبتهم أمريكا العداء, بل ناصبهم كل أهل الكفر العداء, فسلَّطوا عليهم من لا يرحمهم, وجرَّدوهم مما يدافعون به عن أنفسهم, ثم أخذوا يطالبونهم بطرد المتسلِّط الذي أعطوه كل أسباب القوة في العراق, وأن يخضعوا للمحتل الغاصب في فلسطين, فكلا الشعبين أيها الأخوة ضحيةٌ للحقد الإنجليزي على المسلمين, فلا تنسوا أن تتخذوا منهم عدواً لكم حاقداً عليكم, فدعوا الدعوة إلى أنظمته وأساليبه فهي لا تصلح لكم.
عباد الله, من خرج عنه هذا الشهر ولم تُغفر ذنوبه فويلٌ له فلن يُغفر له ذلك الذنب إلا في العام القابل أو يقف في عرفات. فاعملوا أيها الإخوة على فكاك رقابكم من النار بما تقدرون عليه من الأعمال المُرضية للعفوِّ الغفار.
عباد الله, إن يوم الجائزة[5] وهو يوم عيد المسلمين الرابحين بما حققوه من شهر الصيام قريبٌ منكم, فاعملوا على أن تكونوا فيه من الفائزين بجوائز رب العالمين.
ألا وإن من أهم أعمال ذلك اليوم هو إخراج زكاة أبدانكم, وهي الفطرة التي ضربها الله على رؤوسكم عن أنفسكم وعن من تُعيلون, سواءٌ في ذلك واجبي النفقة وغيرها, وعلى الزوج إخراج هذه الزكاة عن زوجته وإنْ كانت ناشزاً ساقطة الحقوق.
عباد الله, ألا وإن من أهم أعمال يومكم هذا السعيد الذي أنتم فيه, والذي هو لكم على ممر الأيام أفضل عيد, هو الإكثار من الصلوات والتبريكات على أقرب المقرَّبين من الرب الحميد المجيد محمدٍ وآله القائمين بإذن الله على هداية كل أوَّابٍ مُريد.
اللهم صلِّ على لولب الرسالة المشرق بأنوار العدالة, وتاج النبوة المحفوف بالمهابة والجلالة, سيد الرسل بلا كذبٍ ومَيْن, أبي القاسم محمد بن عبد الله الصادق الأمين.
اللهم صلِّ على من يوم الغار بنفسه فداه, وفي كل ما عدا النبوة من المجد والفخار ساواه, وفي جهاد الكفار يوم فر القوم من الزحف واساه, فلذا خصه دونهم وآخاه, وقال في حقه "من كنت مولاه فهذا عليٌ مولاه"[6], حبل الله المتين, المشتهر بالأنزع البطين, الإمام بالنص علي بن أبي طالبٍ أمير المؤمنين.
اللهم صلِّ على بضعة الهادي الأمين, ومضغة سيد الأنبياء والمرسلين, المفجوعة بالنفس والبنين, سيدة نساء العالمين, فاطمة الزهراء أم الأئمة المنتجبين.
اللهم صلِّ على مُعز المؤمنين, وكاشف كذب المنافقين, وحامي الدين, السبط المرتهن, العالم بالفرائض والسنن, الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن.
اللهم صلِّ على سليل الأطائب, الشارب لعلقم الرزايا والنوائب, والمتجرع لجام الحتوف والبلا, المقتول ظلماً بوادي كربلا, زكي الجدين, الإمام بالنص أبي عبد الله الشهيد الحسين.
اللهم صلِّ على السيد الوجيه, والعالم النبيه, ذي الحلم والسداد, والهداية والرشاد, الإمام بالنص أبي محمدٍ على بن الحسين السجاد.
اللهم صلِّ على باقر العلوم السبحانية, وناشر الحقائق الربانية, ذي المجد الفاخر, والصيت الطائر, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.
اللهم صلِّ على مَحطِّ الفيوضات القدسية, ومهبط الواردات الإلهية, كشاف أستار الحقائق, ولسانك الناطق إلى كافة الخلائق, الإمام بالنص أبي إسماعيل جعفر بن محمدٍ الصادق.
اللهم صلِّ على البدر المستور, والنور المنقبض عن الظهور بطغيان ذوي الإفك والفجور, حجة الله على كل جاهلٍ وعالم, الإمام بالنص أبي الحسن الأول موسى بن جعفرٍ الكاظم.
اللهم صلِّ على مُمهِّد قواعد الدين, ومُؤسِّس مباني الحق واليقين, ومُخرس شقاشق المبطلين, الذي ظهر برهان صدقه وأضاء, الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.
اللهم صلِّ على منبع عين الحياة, وربان سفينة النجاة, وحامل راية الإرشاد, ومُوقد نار الوُفَّاد, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الثاني محمد بن عليٍ الجواد.
اللهم صلِّ على مُتسنِّم ذروة الشرف والمعالي, النازل من قباب المجد بالمنزل العالي, ضياء النادي, وغياث المنادي, الإمام بالنص أبي الحسن الثالث علي بن محمدٍ الهادي.
اللهم صلِّ على مركز الحق واليقين, ونَوْر حديقة المتقين, وباني حصون شريعة سيد المرسلين, الليث الجري, والسيد السري, الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن العسكري.
اللهم صلِّ على مُوضِّح الحجة, والمُنقذ من ظلمة هذه اللجة, والقائد إلى أوضح المحِجة, النور الذي لا يخبو, والصارم الذي لا ينبو, المؤيَّد بالرعب والذعر, والموعود بالنصر والظفر, الإمام بالنص مولانا المهدي بن الحسن المنتظر.
عجَّل الله له الفرج, وأوضح له المنهج, وأنقذنا به من الشدة والرهج, وجعلنا من القائلين بإمامته, الملتزمين بطاعته, المنتظرين لأوبته, إنه سميعٌ مجيبٌ وفعَّالٌ لما يريد.
إن أشرف ما جرى به قلم الأديب, واقتدى بهدْيه المنصف اللبيب, كلام الله الحسيب الرقيب, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[7].
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه غفورٌ رحيم.
[1] قال جلَّ وعلا في الحديث القدسي: "كنت كنزاً مخفيا, فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لكي أعرف"بحار الأنوار – ج84 ص199 – العلامة المجلسي
[2] الرعد: من الآية11
[3] سورة الزلزلة
[4] سورة الحديد: من الآية13 - 14
[5] "حتى إذا طلع هلال شوال نودي المؤمنون أن اغدوا إلى جوائزكم فهو يوم الجائزة"فضائل الأشهر الثلاثة – ص80 – الشيخ الصدوق
[6] الكافي - ج1 - ص420 - الشيخ الكليني
[7] سورة النحل: 90
معلومات إضافية
- التاريخ الهجري: 26 شهر رمضان 1421هـ