وفاة أمير المؤمنين عليه السلام
الجمعة 20 رمضان 1419هـ المصادف 8 كانون الثاني 1999م
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي جعل الدنيا سجنا لأوليائه، وجنة ونعيما لأعدائه، ألبس فيها أحبابه سرابيل الأحزان، وردّاهم فيها بدثار النكبات والأشجان، وأذاقهم فواجع الدهور والأزمان، وزوى أبصارَهم عن التطلع إلى رونقها الفتّان، ومحا من قلوبهم حب الرفعة فيها على بني الإنسان، وشغل أفئدتهم بحبِّه فما ترى أحداً منهم إلا وهو في عشقه لربه ولهان، رانية أبصار بصائرهم للاجتماع به في مجالس الأنس والرِضوان، والسكنى بجواره في ما أعدَّ للأحبة من قصورٍ وجنان.
نحمده سبحانه وهو مستحقُ الحمد لذاته وإفاضاته، ونشكره على ديم نعمه وعظيم هباته، ونستزيده من عوارف مننه وسوابغ رحماته، ونستعينه على كَلَب الدهر وويلاته، ونستدفعه شر كل باغ لا يخشى يوم وفاته، ونلجأ إليه مِن تربص المضغن ووثباته، ونسأله التوفيق لعبادته ومناجاته، والعصمة من كبائر معاصيه ومخالفاته، والعفو والرحمة يوم نحشر لملاقاته.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له ذو الجود والإحسان، والتكرُّم والامتنان, شهادة تملأ منّا القلوب والوجدان، ويطابق فيها السِرُّ الإعلان، ويصدق بها القلب اللسان، منجية من لهيب النيران، مؤدية إلى الفوز بالجنان، ومجاورة الرحمن.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده المختار، المفوَّض إليه أزمَّة الاختيار، ورسولُه المضروب عليه سُرادق الافتخار، المتوج بتاج المهابة والوقار، شهادة يطابق فيها السر الإجهار، ويوافق فيها الإعلان الإسرار.
صلى الله عليه وآله صلاةً تُرفع بها لهم المناصب، وتغيظ كل معادٍ لهمُ مناصب، وحاقد عليهم وناكب، وتُجزَل لنا بها المواهب، وترفع لنا بها المراتب، وتدفع بها عنا شر كل مغتسقٍ بحقده مراقب.
اعلموا عباد الله إنكم في يوم هو عند الله عظيم، وفضلُه لديه عميم، فليلته التي مرت هي إحدى الليالي التي أكرم الله بها أمة محمداً صلى الله عليه وآله، فهي من أفضل ليالي العشر الأواخر من هذا الشهر الكريم، التي ورَدت بفضلها الروايات عن الرسول الصادق الأمين، ويومها من أشرف أيامه، فكان ينبغي أن تتخذ موسماً للأفراح، وموعدا للمسرة والانشراح، وإظهارَ الأنس بما منَّ الله به على هذه الأمة من التكريم لها، ولكنها شِيبت بحادث وقعُه على الإسلام عظيم، ومصيبةٍ رزؤها على النبي صلى الله عليه وآله وأهل بيته جسيم، ففي الليلة التي سبقتها تمكنَ الأنذال من تنفيذ مؤامرتهم باغتيال سيد الموحدين، وإمامِ المسلمين، فاغتالوا بذلك كل مسرَّة في قلوب المؤمنين، بل أطاحوا بعماد الدّين، وهدموا بقتله حصنَه الحصين، فحققوا بذلك حُلًُمَ المنافقين، الذين لم يدخلوا الإسلام إلا مستسلمين، ومن سيفه خائفين، ولذالك نابذوه العداوة وقد كانوا بوجوب حبه وموالاته من العالِمين، فزووه عن مقامه الخليق به، وقدّموا عليه غيره، ممن يعلمون أنه لا يدانيه تضحية ولا جهادا، ولا قرابة ولا عِلما، مثيرين عليه البغضاء في قلوب الناس، متعاونين في تشويه صورتِه مع الفسقة الأرجاس، حتى أنه بعد وفاة الرسول صلى الله عليه وآله لم يبقَ معه من الأمة إلا أفراد لا يمكن أن يستقيم بهم أمر، ولا يصُح أن يُجازف بهم في دفع مكروه ألمّ، فتواثبوا عليه من كل جانب، وأظهروا له ما كان في الصدور من الحقد الدفين، المتولِّد من قتل الآباء والأعمام بسبب حربهم لسيد المرسلين صلى الله عليه وآله، وما أصاب من دمائهم في بدرٍ وأحدٍ وحنين، وتكسيره الأصنام من فوق البيت الحرام، نعم تواثبوا عليه من كل جانب، ناسين أو متناسين جهادَ والدِه أبي طالب في سبيل الدفاع عن الدين، وتحمُّله عبء حماية الرسول الكريم، ومن آمن معه في وقت الشدة والضيق، نسُوا ما قدمه من الضحايا من أهل بيته في سبيل الدفاع عن حوزة الإسلام، ومن قُتل له من الإخوة والأعمام، نسُوا خوضه لتلك الغمرات الجسام، التي ارتجفت من هولها قلوبُهم، وزاغت من خوفها أبصارهم، وارتعشت لما دُعوا لمصالاتها أبدانهم، نسُوا كل فضائل عليٍّ وسوابقه، وصمُّوا آذانهم عن كل ما قاله رسولهم في حقه، فزووه عن مقام الخلافة والقيادة، حسداً من عند أنفسهم، وبغضا تفيض به أفئدتُهم، وحقداً يغلي في صدورهم. فبقي صلوات الله وسلامه عليه خمساً وعشرين سنة قابعا في بيته، لا يشارك في أمر الأمة بشيء, إلا إذا أعيتهم المذاهب فلجئوا يلتمسون منه العون أسعفهم بما يحل لهم المشكلة، فيضطر قائلهم أن يقول (لا أبقاه الله لمعضلة ليس لها أبو الحسن, ولما اعصوصبت بهم الأمور بعد أن تقاذفتهم الأهواء, وجُرِّبت في حكمهم الآراء، وتنقل الأمر بهم من بيتٍ في بيوت قريش إلى بيت آخر، وآل بهم الأمر إلى قتل خليفتهم الذي ولّوه، بعد أن رأوه يميل إلى غيرهم، ويقدم عليهم سواهم فقاموا بالتأليب عليه وجاهروه العداوة، وأثاروا عليه البلدان حتى تمكنوا من قتله، فوجدوا الناس تندفع إلى علي اندفاع الهيم العِطاش إلى وردها، ولم يكونوا آنذاك قادرين على إبراز أنفسهم، فجاؤوه مبايعين بقلوب تُضمر الخيانة، ونفوس يملأها النفاق، فما أشبه بيعتهم هذه ببيعة أسلافهم لابن عمه صلى الله عليه وآله يوم اضطروا للشهادة أمامه لله بالوحدانية وله بالرسالة، فكما عاشوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله يتحينون فيه الفرص، ويتربصون به الدوائِر، كذلك عاملوا عليّا أيام خلافته، فجعلوا أيامه حروبا وفتنا، وإثارة وتأليبا، حتى تمكنوا من القضاء عليه بأبي ونفسي، وهو في صلاته منقطعا لربه، وليتهم اكتفوا بما نالوا منه في حياته، بل جعلوا عداوته دِينا يتقربون به، وأخذوا يشِيعون سبه وشتمه، ويحاربونه في معاداة كل مَن كان معه أو في جماعته، بل يستحلون قتل كل من لم يرض بفعلهم فيه، حتى شبَّت على ذلك نفوس الأطفال، وهرِمت عليه عقول الرجال، وبنيت على عدم الاعتراف بحقه وأفضليته الأجيال.
عباد الله, هذا هو حال طالبي الدنيا وعشاقها، هذا ديدنهم في جميع الأزمنة والآنات، لا فرق في ذلك بين بني إسرائيل وبين بني يعرب وبني إسماعيل، فمن حلِيَت الدنيا في عينيه، وأنسته ذكر ربه، نبذ التقوى من نفسه، وصار دينُه هواه، ونيله المجد في هذه الحياة مولاه، فلا يبالي بما يرتكبه من الآثام، ولا يهتمُّ في سبيل الوصول إلى مبتغاه وإن فنيت الأنام، وهلَكت الأنعام، ولأمر ما أكثر الله سبحانه سردَ قصص بني إسرائيل في القرآن، فقد تحقق في علمه تعالى أنه يجري في هذه الأمة ما جرى عند بني إسرائيل حذوَ النعل بالنعل والقذة بالقذة؛ بل في الحديث الشريف المتفق عليه بين المسلمين: "حتى لو دخل أحدهم في جحر ضب لدخلتموه"[1].
فاتقوا الله عباد الله ولا تتبعوا خطوات من جانب شريعة الله، ولم يتقيّد بأحكامه، فإن عُمًُر الدنيا قصير، ومتاعَها في جنبِ ما وعد الله الصابرين حقير، والأمرَ غدا جدُّ خطير، فبادروا فيما بقي من أيام العمر إلى عمل الخيرات، وأكثروا من الحسنات، وابتعدوا ما استطعتم من الهفوات، وتجنبوا ما تقدرون على تجنبه من الشبهات، فلعلَّ الله سبحانه يلطف بأحوالكم، ويتجاوز عن سيئاتكم خاصة في مثل هذا الشهر الذي جعله شهرَ الرحمة والغفران، وارفعوا أيديكم بالدعاء فإنه هو السميع المجيب.
اللهم ما عرفتنا من الحق فحملناه، وما قصرنا عنه فبلغناه، اللهم المم به شعثنا، واشعب به صدعنا، وارتق به فتقنا، ووحد به كلمتنا، واعزز به ذلتنا، وكثر به قلتنا، وآتنا به من الدنيا والآخرة آمالنا، فإنك خير المسئولين، وأوسع المعطين.
إن خير ما تلاه خطيب، واتعظ به نابهٌ أديب، كلام الله الرقيب الحسيب، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا & وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا & وَقَالَ الأنْسَانُ مَا لَهَا & يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا & بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا & يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ & فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ & وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ[[2].
وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم والتواب الحليم.
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله المطلع على خفيات الأمور، العالم بمكنونات الصدور، الذي لا تحجب عنه الستور، ولا ينسِيه تقادم الأيام والدهور. لم يستعن على أمر من أموره بمعين أو وزير، ولم يحتج في تصريف شؤون ملكه لمساعد أو مشير، أنزل الكتاب بحكمته، وبعث النبيين بمقتضى لطفه ورحمته، وشرَع لنا من الدين ما يوصلنا إلى سكنى جنته، ويجعلنا من جيرته، وينقذنا من غضبته.
نحمده على عظيم النعماء، ونشكره على جزيل الآلاء، ونعتمد عليه في السراء والضراء، ونستدفع به كيد الحساد والأعداء، ونلجأ إليه كلما اعصوصب البلاء، ونستكفيه مهمات الآخرة والأولى، ونسأله التوفيق للّحاق بالسعداء، والفوز بمجاورة الصديقين والشهداء.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، مبتدع الصنائع، وصانع البدائع، راحم عبرة كل ضارع، ومنزل المنافع، وهو للمتكبرين واضع، وللمتذللين رافع، وللدعوات سامع، وللبليَّات دافع، وعن المؤمنين مدافع.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده الذي اصطفاه، ونجيه الذي ارتضاه، وحبيبه الذي قربه وأدناه، ورسوله الذي رفع قدره وأعلاه، صدع بالإنذار, وبالغ في الإعذار، وأوضح لطالب الحق المنار، وقطع بحجته الأعذار، لم يثنه عن النصح لعباد الله قلة الأنصار، ولا إشاعات الأشرار، ولا تألب الفجار، حتى انمحق غسق الباطل وظهر وجه الحق كوضح النهار.
فصل اللهم عليه وآله مصابيح الدجى, وكهف الورى, والعروة الوثقى بأفضل صلواتك, وبارك عليهم بأطيب بركاتك, وحيِّهم بأزكى تحياتك، وعلى من شايعهم بإيمان, وتابعهم بإحسان, إنك حميد مجيد.
أما بعد فاعلموا - يا من حباكم الله سبحانه بالهداية إلى الاعتقاد بالولاية، ومنَّ عليكم بالنجاة من الفتنة والغواية, فأصبحتم النمط الأوسط, الذي ورد مدحه في الآية والرواية - أنه قد صادف يومكم هذا فادحة على الإسلام جليلة، وذكرى على قلوب المؤمنين أليمة وهي ذكرى وفاة سيد الوصيين، وقائد الغرِّ المحجلين، وحامي حمى حوزة الدين، المدافع عن سيد المرسلين, ليث الله الغالب، وسيفه الضارب، أمير المؤمنين علي ابن أبي طالبٍ صلوات الله على ابن عمه وعليه وعلى آلهما الأطائب، ولأمير المؤمنين عليه السلام من الكرامات ما لا يحصيه العادُّون، ومن المعاجز ما يَعجزُ من ذكره الواصفون، على رغم ما قام به الظالمون من تضييق الخناق على من ذكر له فضيلة أو منقبة, حتى أنهم شرعوا في الأذان شتمه، وأوجبوا في خطبة الجمعة سبَّه، ولست هنا في مقام مدحه وأنَّى لي بذلك وقد نطقت بمدحه سور القرآن، ونزلت فيه كثير من الآيات من الرحيم الرحمن، ويكفي في فضله وشرفه أنه ومحمد صلى الله عليهما من نور واحد حيث قال صلى الله عليه وآله: "أنا وعلي من نور واحد"[3]، وأن هذا النور لم ينشق من لدن آدم حتى زمان عبد الله وأبي طالب عليهما السلام, وإنْ أبى الناصب الاعتراف لهما بالإيمان والإسلام، وأنّّّ الله سبحانه كفل رسوله حِضانته وتربيته، فأخذه من أمه وهو بعد طفلٌ صغير ينيمه معه في فراشه, ويشمه عُرفَه, ويسقيه من ريقه, يقول عليه الصلاة والسلام كما روي عنه بعدة طرق معتبرة, وقد ذكره الشريف في نهج البلاغة: "وقد علمتم موضعي من رسول الله صلى الله عليه وآله بالقرابة القريبة, والمنزلة الخصيصة, وضعني في حجره وأنا ولد يضمني إلى صدره ويكنفني إلى فراشه، ويمسني جسده ويشمني عُرفه، وكان يمضغ الشيء ثم يلقمنيه وما وجد لي كذبة، في قول ولا خطلة في فعل، ولقد قرن الله به صلى الله عليه وآله من لدن كان فطيما أعظم ملكاً من ملائكته، يسلك به طريق المكارم، ومحاسن أخلاق العالم، ليله ونهاره، ولقد كنت أتبعه اتباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كل يوم من أخلاقه علما، ويأمرني بالاقتداء به"[4].
وله بعد هذا في الإسلام مكارم وسوابق، وله على الدين وأهله الفواضل البواسق، فهو أول الناس على الإطلاق إيمانا بالدعوة، وإن كابر المنافق، وهو الذي دبَّ مع أبيه وإخوتِه عن رسول الله صلى الله عليه وآله في مكة أعداءه، ودافع عنه معهم كل كافر فاسق، وهو الذي فداه بنفسه ليلة الهجرة وتحمّل في جنبه الأذى الذي كاد بسببه للدنيا أن يفارق، ويوم أحدٍ وحنين دافع عنه بعد أن ولّى هاربا من الزحف كل من كان بالصحبة والنصرة يمالق، وسَلْ التأريخ عن يوم الأحزاب وقد بلغت فيه أرواح القوم الحناجر، عندما نادى حامي الوثنية القوم من فيكم للبراز يبادر، وللجنة يغادر، أو يوصل عدوه للنار التي أعدت فيما زعمتم لكل فاجر كافر، فنكسوا رؤوسَهم مهطعين صاغرين قد طاشت منهم البصائر، والرسول يرغِّبهم في المبارزة بضمان الجنة ولكن أنّى يستجيبون, وقد زاغت منهم أحداق النواظر, خوفاً من مفارقة الدنيا ولقاء الله المطلع على ما تكنه الضمائر، وتعتقده السرائر، فبرَز له وكفاهم أمره من لا يخاف الفواقر، ولا يهاب البواتر، فضربه ضربة ساوت عند الله عمل الثقلين من يومها حتى تبعثر المقابر، وتنشر الدفاتر.
وهو الذي وصفه الباري بأنه نفس الرسول في محكم الآية التي لا يجحدها إلا كل كاذب، وفي قضية تبليغ براءة معنى أعجز تأويله وإخفاؤه كل ناصب، ومع كل ذلك فإن حسيكة النفاق أدّت إلى إبعاده عما أعده الله له من المناصب، وتنغيص عيْشه بالمتاعب، بل بذلوا جهدهم ليختلقوا له المثالب، ومنعوا رواية كراماته ومعاجزه وأوصلوا من خالفهم في حبه إلى المعاطب، وإلى هذا اليوم لا يزال شيعة معاوية ومروان يرمون شيعته بالنوائب، ويصبون عليهم ما قدروا عليه من المصائب، ويكفِّرون من لعن شاتميه لأنه في زعمهم يسب الصاحب، وليت شعري أمعاوية لرسول الله صلى الله عليه وآله صاحب، وليت شعري أمعاوية وهو الطليق بن الطليق لرسول الله صلى الله عليه وآله صاحب, وعلي لم يكن له مصاحب، فكيف جاز لمن يدعي أنه صاحب في زعمكم أن يسب الصاحب، ويشتم آله الأطائب, وأن يبذل من بيت مال المسلمين لمن وظفهم ليلعنوا في خطبهم علي بن أبي طالب، ويشتموا آله الأطائب ولكن صبرا على ما تقولون فسوف يأتي يوم يعض فيه الظالم على يديه ويقول ياليتني كنت ترابا.
فتمسكوا أيها الإخوان بولايته, وجاهدوا أنفسكم للسير على طريقته، حتى تُحشروا في زمرته فإن الله قد جعله قسيما بين ناره وجنته، والنبي صلى الله عليه وآله لا يسقِِي من حوضه أحداً إلا بوساطته، واعلموا يا إخوة الإيمان أن من أفضل ما نُدبتم إليه خاصة في هذا اليوم العظيم وهذا الشهر الفضيل هو إكثار الصلوات والتبريكات, على ابن عمه وعليه وذريتهما الهداة.
اللهم صلِّ على من خاطبته بلولاك لما خلقت الأفلاك، وأخدمته الأملاك، وقربته إليك قاب قوسين، وفضلته على جميع النبيين, الرسول المؤيد والنبي المسدد أبي القاسم المصطفى محمد.
اللهم صلِّ على باب قلعة العلوم الربانية، المشافهِ بالمعارف الإلهية، أخي النبي المصطفى بل نفسه الزكية, بنص الآية القرآنية, فخر دوحة لوي بن غالب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صلِّ على من فطمت محبيها من سقر، وجعلت لها الشفاعة في شيعة بعلها وولدها يوم المحشر، الدرة النوراء، والمعصومة الحوراء، أم الحسنين فاطمة الزهراء.
اللهم صلِّ على قرة عين الرسول، وثمرة فؤاد البتول، وخليفة علي البطل الصؤول، العالم بالفرائض والسنن، الإمام بالنص أبي محمد الحسن.
اللهم صلِّ على ريحانة الرسول الأمين، وسلالة أمير المؤمنين، المفتجع بقتله سيد المرسلين، والمغدور عداوة لسيد الوصيين، المجتَمِع على قتاله كل كفار عنيد، الإمام بالنص أبي عبد الله الحسين الشهيد.
اللهم صلِّ على من أحيى رسوم العبادة، وأقام دارسها وشاده، خير من أنارت به أندية الصلوات، وأفضل من زهرت به حنادس الخلوات، الإمام بالنص أبي محمد علي بن الحسين ذي الثفنات.
اللهم صلِّ على مصباح العِلم الزاهر، وبحر العلم الزاخر، ذي الصيت الطائر بين كل بادٍ وحاضر، والذكر السائر في النوادي والمحاضر، الإمام بالنص أبي جعفر محمد بن علي الباقر.
اللهم صلِّ على مجدد أركان الشريعة, وباني حوزتها المنيعة، ذي الدرجة الرفيعة، أفضل صادعٍ بالحق وناطق، وأكمل بارع في نشر الحقائق، الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق.
اللهم صلِّ على ناظِم قلائد العوارف والمراحم، ومؤسس مدارس الفضيلة والمكارم، الصابر على كل خطْبٍ متعاظم، الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم.
اللهم صلِّ على طوْد العلوم والمَعالي، وكنز المفاخر المشحون بغوالي اللئالي، ومن ليس له مفاخرٌ مدى الأيام والليالي، ذي الفضل الذي أشرق في سماء العالم وأضاء، الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.
اللهم صلِّ على ربيع البلاد، ومنبع الفضل والسداد، المتكرم بالطارف والتلاد، سيد الأجواد، الإمام بالنص أبي جعفر الثاني محمد بن علي الجواد.
اللهم صلِّ على إمامَي الأبرار، خصمَي الفجار، طيبَي النجار، ومن بهما تحط الأوزار، العريَّين من وصمة الشك والرين، الإمامَين المنصوصين أبي الحسن علي الهادي وابنه أبي محمد الحسن العسكريين.
اللهم صلِّ على الطلعة المجللة بالهيبة والظفر، والدولة المخدومة بالقضاء والقدر، والغرة المشرِقة بالنور الأزهر، شريك القرآن، وباهر البرهان، والحجة على كافة الإنس والجان، الإمام بالنص مولانا أبي القاسم المهدي بن الحسن صاحب العصر والزمان.
عجل الله تعالى فرجه، وسهل مخرجه، وبسط على وسيع الأرض منهجه، وجعلنا من المشمولين بدعوته، الآمنين أيام دولته, إنه على ما يشاء قدير.
إن أبلغ ما وَعظ به الواعظون، واتعظ به المتقون، كلام من يقول للشيء كن فيكون، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[5].
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات, إنه غفور رحيم وتواب كريم.
[1] بحار الأنوار – ج23 ص165 – العلامة المجلسي، "... حتى لو دخل الرجل منهم جحر ضب لدخلتموه"تفسير ابن كثير – ج2 ص382 – ابن كثير
[2] سورة الزلزلة
[3] عيون أخبار الرضاع - ج1 - ص63 - الشيخ الصدوق
[4] نهج البلاغة - ج2 - ص157
[5] سورة النحل: 90
معلومات إضافية
- التاريخ الهجري: 20 رمضان 1419
