شكر النعم وإحياء الليالي الباقية من شهر رمضان والدعوة إلى التوبة
الجمعة 29 رمضان 1422هـ المصادف 14 كانون الأول 2001م
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله الذي أبدع أصناف الخلق وقدر بينهم المعاش, وبسط لهم الرزق وألبسهم الرياش, أحيا ميت الأرض بالأمطار, وأسال أوديتها فجعل منها الجداول والأنهار، وأرسل اللواقح فأينعت على أشجارها الثمار, وذلل لهم الأرض وأمرهم بالسعي فيها لطلب الأرزاق, وألهمهم إقامة المتاجر وبناء الأسواق، ونهاهم عن الاحتكار والغش والتغابن وبيع الاصطفاق, وابتلى من شاء منهم فجعله مليا وامتحن آخرين بالإملاق, وأمر الغني بالشكر والفقير بالصبر ووعدهما الفوز يوم التلاق.
نحمده سبحانه على ما أولانا من ضروب الإنعام, وأفاض علينا من الأيادي الجسام, وحبانا من الخيرات العظام, التي لا تحيط بها الأقلام, ولا تحصى وإن تعاون على عدها الجنة والأنام, حمداً نستعد به لمزيد فضله العام, ونرجوا به الزلفى في أعلى مقام, والرحمة يوم القيام, ]فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ[[1].
ونشهد ألاّ إله إلاّ الله رباً واحداً أحداً لا ندَّ له ولا شريك, الذي وفقنا لإتباع من بعثهم لهدايتنا من الخيرة من خلقه, أنبياء مكرمين, ورسلاً مصطفين, مبشرين ومنذرين, دالين على الخير مذكرين, محذرين ومبلغين, ناشرين للهدى وبالعلم ناطقين, بالحجج غالبين, وبالآيات لأهل الباطل قاهرين.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده المبعوث رحمةً للعالمين, ورسوله الذي ختم به النبيين, وفضله على سائر أولي العزم من المرسلين, أخذ له الميثاق على كافة من سبقه من الأنبياء والصديقين, وجعله بروح القدس من المؤيدين, وأنزل عليه الكتاب مثاني تبصرةً للمتوسمين, وهدايةً للموقنين, وحجةً على الكافرين, وجعل في ذريته الإمامة إلى يوم الدين, مرغماً بذلك آناف الحاسدين والحاقدين.
صلى الله عليه وعلى خلفائه المنتجبين, الأئمة المعصومين, الأدلاء على رب العالمين, المستودعين أسرار رب العالمين, والمستحفظين حقائق الدين, ]أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ[[2].
عباد الله أوصيكم ونفسي الجانية الآثمة قبلكم بتقوى الله سبحانه, فإنها خير ما ادخرتموه عند بارئكم, وأفضل ما أعددتموه ليوم سفركم, فبها نجاح أمركم, وتحقيق طلبتكم, بل هي الوسيلة لفكاك رقابكم من سلاسل الجحيم, والصراط الذي يقودكم لدار النعيم, فلا تجزعوا على ما يفوتكم من لذائذ هذه الدار الفانية, ولا تتشاغلوا بالانهماك في ترميم هذه الخربة على حساب العمل في إعمار الآخرة, فما هذه الدنيا لكم بباقية.
عباد الله اذكروا ما منَّ الله به عليكم من سوابغ نعمه, فاعملوا على حفظها وأدوا له شكر أياديه عندكم, وأنَّى لكم والقدرة على شكر نَفَسٍ واحدٍ من أنفاسكم التي بها تستقيم حياتكم, فضلاً عن سائر ما تتمتعون به من النعم الجليلة, والمنن العظيمة, ولكن بقدر المستطاع من مقابلة الإحسان بالإحسان, على أنه سبحانه غنيٌ عن طاعتكم, غير متضررٍ بمعصيتكم, ولكنه جلَّ ذكره تعهد بالزيادة للشاكرين, وبالعذاب للكافرين, الذين أصرّوا على محاربته, وموالاة عدوه, فلا تعرضوا أنفسكم لغضبه, فإن عذابه شديد, ]نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ[[3].
عباد الله، إنكم في آخر جمعة من شهر رمضان, شهر الله الذي خصه بالرحمة والرضوان, وحفه بالبركة, يضاعف فيه الأجر للطائعين, ويقبل فيه التوبة من المنيبين, ويقيل فيه العثرة من النادمين, ويعفو فيه عن المستغفرين؛ فلا تضيعوا ما تبقى منه فيما لا يعود عليكم بالمنافع الأخروية, ويدر عليكم الأرباح الحقيقية, ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أن من خرج عنه شهر رمضان ولم تغفر ذنوبه, لم يغفر له إلا في السنة القادمة؛ إلا أن يحج[4]؛ فلا تضيعوا هذه الفرصة التي وفرها لكم ربكم بكرمه, بالتشاغل بأمور الدنيا, فإنها زائلةٌ كما تعلمون, وأنتم عنها راحلون, ولِما تجمعونه فيها مفارقون, مع إن رزقكم فيها مضمون, وليس بقوة أحدٍ منكم أن يزيد فيما قُدِّر له من النصيب من متاعها, وليس باستطاعة أحدٍ منكم أن يحجب عن غيره ما هو مكتوبٌ له من رفدها, وإنما هو ابتلاءٌ لكم ببعضكم البعض, حتى يُعلم المطيع ممن عصى, ويُعرف المؤمن من الفاسق الذي غوى, فلا تشغلوا أنفسكم بما هو مقدرٌ لكم, عما ترك لجدكم وكدحكم.
عباد الله توبوا إلى الله توبة نصوحاً في هذا الشهر الفضيل, وجاهدوا في فكاك رقابكم من النار, وابتعدوا عن كبائر الإثم التي أصبحتم بارتكابها مولعين, ولها مستصغرين, وعليها مداومين, وحدوا صفوفكم على هدي القرآن, ارحموا الضعفاء والفقراء, أعينوا الأيتام والمساكين, فإن الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه: ]فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ & وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ & فَكُّ رَقَبَةٍ & أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ & يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ & أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ & ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ[[5].
وفقنا الله وإياكم للعمل بمراضيه, وجنبنا معكم ارتكاب معاصيه, وجعلنا ممن يكون مستقبله خيراً من ماضيه.
إن خير ما ختم به الخطاب, وأبلغ ما وعاه أولوا الألباب, كلام الله المستطاب أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
]وَالْعَصْرِ & إِنَّ الإنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ & إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[[6].
وأستغفر الله لي ولكم إنه غفورٌ رحيم وتوابٌ حليم.
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب, وأفاض من حكمته على من اتبع هداه فأناب, وأوضح لذوي البصائر طرق السلامة والصواب, وفتح لعباده أبواب الهداية والرشاد, وأنار لقاصدي الخير سبل الإصابة والسداد.
نحمده سبحانه على ما أنعم به علينا من الخيرات, ونشكره تعالى على ما أفاضه علينا من رواشح البركات.
ونشهد ألاّ إله إلاّ الله وحده لا شريك له, رفيع الدرجات, موجد الكائنات, بديع الأرض والسماوات.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده المعصوم من ارتكاب الخطيئات, ورسوله الداعي إلى مسالك الجنات, الذائد عن الوقوع في مهاوي الهلكات، صلى الله عليه وآله العلماء الهداة, والقادة الدعاة.
أيها المؤمنون الموقنون, والصلحاء المهتدون, الذين وفقهم الله لموالاة الأئمة الهداة، والقيام بما علموا به من الفروض والمندوبات, ولم تقعد بهم الأعمال عن القيام بالواجبات, ولم يتبعوا الهوى ويعللوا سلوكهم بالترهات, اعلموا أنه بعد يومٍ أو يومين سيطل عليكم يوم عظيم وعيد كريم, هو يوم الجائزة, وما أدراك ما يوم الجائزة, يوم عند الله عظيم, يوم التشريف والتكريم, يومٌ تبيض فيه وجوه الصائمين, يومٌ تفرح فيه قلوب المخبتين.
هذا اليوم أيها الإخوان فيه واجبات, وفيه مندوبات, وينبغي للمؤمن المخلص في إيمانه أن لا يترك فعل تلك الواجبات, ولا يتهاون في أن يأتي بما يتمكن عليه من المسنونات, فيجب في ذلك اليوم حضور الصلاة مع توفر شرائط الجمعة, فلا يعذر الإنسان حينئذ بترك حضور الصلاة بالأعذار الواهية, والثاني إخراج زكاة الفطرة عن نفسه وعمن يعوله, حتى الأجير ولا فرق في ذلك بين أن يكون المعال مسلماً أو غير مسلم, وقدر الفطرة صاع من الطعام الغالب على قوت البلد, إن لم يرد العمل بالجنس المستحب, ووقت إخراج هذه الزكاة من حين ثبوت الهلال إلى زوال الشمس من يوم العيد, فلو أخرها عن ذلك فإن كان قد عزلها عن ماله أثم وأجزئت، وإن لم يعزلها عن بقية أمواله فقد فاتت عليه، ولو أخرجها تكون صدقةً عاديةً ولا تكون فطرة، ومستحق الفطرة هو مستحق الزكاة, فتحرم على من انتسب من بني هاشم أو من انتسب إلى علي وفاطمة عليهما السلام, كما تحرم عليهم سائر الصدقات الواجبة, ولكن لو كان الخمس لا يجزيهم فلا مانع لهم من أخذ الفطرة ممن هو مثلهم في النسب.
وأما المندوبات في هذا اليوم الذي جعله الله لمحمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم ذخراً وشرفاً وكرامة وجعله لأمته عيدا فكثيرة, أهمهما صلة الأرحام وزيارة الأقارب, وإطعام الطعام, والتصدق على الفقراء والأيتام, وتهنئة المسلمين بعضهم بعضاً بذلك اليوم.
ألا وإنكم في يومٍ هو من أجل الأيام, وموسم من أعظم مواسم الإسلام, ومن أعظم أعماله المكفرة للآثام, هي الصلاة والسلام على محمدٍ وآله البدور التمام.
اللهم صلِّ على شمس فلك الرسالة, وبدر سماء الدلالة, علة الوجود, وصفي المعبود, النبي العربي المؤيد, والرسول الهاشمي المسدد, أبي القاسم المصطفى محمد.
اللهم صلِّ على من قام بعده بأعباء الدين, وجذع معاطس المعاندين, وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين, المخصوص بالزهراء دون كل خاطب, المفضل عند النبي على جملة المتنسلين من لوي بن غالب, الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صلِّ على السيدة المعصومة عن الأدناس, والجليلة المطهرة من الأرجاس, الصديقة الكبرى, والدرة النوراء، أم الحسنين فاطمة الزهرا.
اللهم صلِّ على السبط المؤتمن, العالم بالفرائض والسنن، والسيد الممتحن، الشارب بكأسات الغصص والمحن, والمتجرع لعلقم الحقد والإحن, الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن.
اللهم صلِّ على سبط الرسول, وقرة عين البتول, وثمرة فؤاد الأسد الصؤول, صاحب المصيبة الراتبة, وقتيل الدمعة الساكبة, والد الأئمة المهديين، الإمام بالنص أبي عبد الله الشهيد الحسين.
اللهم صلِّ على ساقي الشيعة من الزلال المعين, وممتعهم بالحور العين, المدافع عنهم يوم لا يجد الإنسان مفزعاً ولا معين, الإمام بالنص على رغم المعاندين, أبي محمدٍ علي بن الحسين زين العابدين.
اللهم صلِّ على ناموس العلم والحكمة, والمبرىء بهديه الأبرص والأكمه, البدر الزاهر في مدلهمات الفواقر, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.
اللهم صلِّ على قيم الشريعة وهاديها, ونورها المشرق في أقطارها ونواديها, وسيدها في حضرها وبواديها, لسان الحق الناطق, على رغم كل جاحد ومنافق, الإمام بالنص أبي إسماعيل جعفر بن محمدٍ الصادق.
اللهم صلِّ على من له المفزع يوم الفزع, وملجأ الخلق إذا اشتد الجزع, المجلي في حلبة المكارم, والمعمد في حلقة الأعاظم, الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفرٍ الكاظم.
اللهم صلِّ على الإمام المفترض الطاعة, والشافع لمن أقر به وأطاعه, ومن حبه وزيارته أعظم تجارة وأربح بضاعة, منقذ الشيعة من لظى, الإمام بالنص علي بن موسى الرضا.
اللهم صلِّ على الحرز المانع, والذخر النافع, والسيد الشافع, والفخر الرافع، سليل السادة الأجواد, ومن عليه المعول والاعتماد, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الثاني محمد بن عليٍ الجواد.
اللهم صلِّ على السيدين الأكرمين, إمامي الحرمين بغير مين, الفرقدين المشعين, والعلمين الهاديين, الإمامين المنصوصين علي بن محمدٍ الهادي وابنه أبي محمدٍ الحسن العسكريين.
اللهم صلِّ على المنتظر لكشف كل ضرر, والقائم المؤمل لدفع كل حذر, المخدوم بالقضاء والقدر, والمؤيد من الله بالنصر والظفر, الإمام بالنص مولانا الحجة بن الحسن المنتظر.
عجل الله له أيام دولته الميمونة الآثار, المأمونة العثار, وجعلنا من الداخلين تحت حياطته, المسعودين برؤيتها, إنه أكرم مسئول, وأجود مأمول.
إن أشرف ما وعته القلوب والخواطر, ومحيت به الذنوب والجرائر, كلام الله الرحيم الغافر، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم
]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[7].
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه غفورٌ رحيم.
[1] سورة البقرة: 152
[2] سورة الأنعام: من الآية90
[3] سورة التحريم: من الآية6
[4] "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة"الوسائل – ج10 ص305 – الحر العاملي وكذا في الكافي – ج4 ص66 – الشيخ الكليني
[5] سورة البلد: 11 - 17
[6] سورة العصر
[7] سورة النحل: 90
معلومات إضافية
- التاريخ الهجري: 29 رمضان 1422هـ