مولد النبي صلى الله عليه وآله ووحدة الأمة والالتزام بالشريعة
الجمعة 18 ربيع الأول 1423هـ المصادف 31 أيار 2002م
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أبدع طبائع الأشياء بمقتضى حكمته الشاملة الأزلية, ورتَّب أجزاء الكون على نظامي التضائف والعلية, وحكمها بالروابط الثابتة والنواميس الطبعية, فأنار السبيل أمام العقول لإدراك وجوب وجود ذاته المقدَّسة العلية, صنع ما صنع من الموجودات من دون احتذاء مثالٍ أو إجالة روية. فتق السماوات والأرض بعد أن كانتا رتقاً بقدرته الإلهية, ورفع الخضراء بدون عمدٍ مرئية, وجعلها عوالم ومجراتٍ لا يعلم عددها أحدٌ من البرية, إلا من شاء أن يُطلعه الله على غيبه من ذوي النفوس الطاهرة القدسية, وبسط الغبراء على الماء لتصبح ملائمةً لمن شاء أن يسكنهم عليها من أصناف البرية، جلَّ مجده عن الحلول والزمان والمكان, وتقدَّست عظمته عن مقارنة الأجسام والأكوان.
نحمده سبحانه على ما وفقنا إليه في عالم الذر من الاعتراف بمولويته, والمبادرة إلى طاعته, ونشكره على ما غذّى به نفوسنا حين ذاك من موالاة أوليائه والتصديق برسله وأنبيائه, فشربنا من كأس حبهم, واشتقنا إلى الاجتماع بقربهم, فأصبحنا بمنِّه وفضله في هذه النشأة إلى مشايعتهم من المنسوبين, على دينهم من الثابتين, وعلى كعبة جودهم من المعتكفين, وللفوز بسعادة الحشر في زمرتهم من الراجين المنتظرين.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, المتنزه في خلقه عن الشركاء, المستغني في تدبير ملكه عن الأعوان والوزراء, المتقدس عن اتخاذ الصاحبة والأبناء, شهادةً نستدفع بها نوازل البلاء, ونستكشف بها غوائل الأدواء, ونستجن بها من كيد الحساد والأعداء.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله, عبده ورسوله, وحبيبه وخليله, وخليفته على خلقه ودليله, أرسله صلى الله عليه وآله والناس من سكر الجهالة ثملون, وفي أودية الغي تائهون, وبنيران الفتن يصطلون, وعلى عبادة الأصنام عاكفون, فصدع صلى الله عليه وآله بالشريعة النوراء, ودعا إلى الحنيفية البيضاء, حتى استقام عمود الدين, ووهن عضد المشركين, وانهارت حصون الملحدين, ودان الناس لرب العالمين.
صلى الله عليه وعلى آله الصادعين بأوامر تلك الشريعة المطهرة, القائمين بأعباء هاتيك الملة المنوَّرة, صلاةً تغشاهم بكرةً وعشية, وتبل مراقدهم بالرحمة الإلهية, وتدفع عنا ببركتهم كل بلية.
أيها الإخوة المؤمنون, والفضلاء المخلصون, أوصيكم وأوصي نفسي قبلكم بكلمة التقوى التي ألزمنا الله بها, ونصحنا العمل بمقتضاها, فاتقوه سبحانه, فإنه لا تخفى عليه خافية, ولا يغادر قاصيةً ولا دانية, يعلم وساوس الصدور, وما تُجنه القلوب في ورودٍ أو صدور, وأحذركم ونفسي قبلكم من التكبر على أوامره, والإصرار على معصيته, والسير في أودية الالتباس, والانصياع لوسوسة الخناس, فبتقوى الله سبحانه وتعالى يُنال الخلاص, ويرجى العفو من القصاص, في يوم لا مفر عنه ولا مناص, يوم يؤخذ فيه بالأقدام والنواص, وبتقوى الله سبحانه تدرك السعادة الأبدية, والخيرات الدنيوية والأخروية, واللذة السرمدية.
واعلموا عباد الله أن أسبوعكم الذي مر عليكم هو أسبوع البركة والخير على كافة البشر, ففي مثل هذا الأسبوع كانت ولادة أبي القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، سواءً كانت ولادته في الثاني عشر من الشهر كما يذهب إليه الكليني رحمه الله أو في السابع عشر منه وهو يوم أمس, كما يذهب إليه المشهور من علماء الشيعة أيدهم الله تعالى، ففي هذا الأسبوع وُلد أبو القاسم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله، الذي اصطفاه الله تعالى وقرَّبه, واجتباه وأعلا قدره, وجعله رحمةً للعالمين, وختم به النبيين والمرسَلين, أنزل عليه الكتاب المبين, الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه, مصدقاً لما قبله, ومهيمناً على ما يأتي بعده, نوراً يستضيء به المتقون, ويهتدي بسناه السالكون, ويفوز بشفاعته العاملون, وجعل الله سبحانه محمداً صلى الله عليه وآله حجةً له على كافة الخلق من الإنس والجن, من آمن به فاز بخير الدارين, ومن كذَّبه وجحد رسالته قُرن مع الشياطين, وخُلِّد في العذاب المهين, فدعا صلى الله عليه وآله إلى دين التوحيد الكامل, كما أمره الله سبحانه أن يدعوا إلى توحيد الرب وتوحيد الأمة، حيث يقول سبحانه وتعالى: ]إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ[[1], فدين الإسلام الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وآله هو دين التوحيد بكل معنى الكلمة, توحيدٌ للذات الإلهية, توحيدٌ للصفات الربانية, توحيدٌ للمنهج الإلهي, توحيدٌ للمؤمنين بالرسالات السماوية, فلا تفرقة بين أنبياء الله ورسله, ولا تفرقة بين الوحي الذي نزل على محمدٍ صلى الله عليه وآله والوحي الذي نزل على غيره من أنبياء الله ورسله, ]آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ[[2], ويقول سبحانه في موردٍ آخر من كتابه الحميد: ]وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ[[3].
فهذا الدين يدعو للوحدة بين المؤمنين بالله سبحانه وتعالى ولا يسمح بتفريق الصف الإيماني وتحزيبه, لأن إيجاد الأحزاب المختلفة على نحو ما هو معروفٌ في الفلسفات الشيطانية, والأنظمة الإبليسية التي تدعو إلى تعدد الأحزاب وتعدد الفرق والشيع أمرٌ غير مشروعٍ في هذه الديانة, بل الواجب على المسلمين أن يكونوا صفاً واحداً تحت راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله صلى الله عليه وآله, ولذلك يقول سبحانه لرسوله صلى الله عليه وآله: ]إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعاً لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ[[4], ودعا إلى توحيد الصف تحت راية الإيمان بالله سبحانه وتعالى بعبارةٍ واضحةٍ لا لبس فيها, وآيةٍ واضحةٍ لا شُبهة فيها, فقال جلَّ من قائل: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً[[5], ونهى جلَّ شأنه صراحةً في آيةٍ محكمةٍ أيضاً عن الفرقة والتحزب والمخاصمة والمجادلة, فقال سبحانه وتعالى: ]وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ[[6], وتوعَّد الذين يتفرقون بعد ما جاءتهم البينات من الله سبحانه بوجوب التوحد تحت راية التوحيد فقال: ]وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[[7], بل نهى عن أن يتخذ أي فريقٍ من المؤمنين بطانةً وأحلافاً من خارج الصف الإيماني, لأن اتخاذ مثل هذه البطانة يسبب لهم الفشل والتنازع والفرقة والاختلاف, ويؤدي بهم إلى الضرر البليغ, ويُفتت صفهم, ويشتت كلمتهم, فقال سبحانه وتعالى في محكم آيات كتابه: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَر قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الأياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ[[8], وقد ظهر جلياً أن غير الإسلامي – الذي لا يدين بتطبيق الشريعة الاسلامية – لا يتحالف مع الإسلامي إلا من أجل أن يركبه مطيةً إلى أغراضه، فإذا لم يوصله إلى غرضه عاد عليه وشجبه وشتمه كما هو حاصلٌ في الصحف الحالية من اليسار والعلمانيين في الوقت الحاضر، فالعمل على توحيد كلمة المؤمنين بالله واجبٌ ديني, يُسأل عنه المسلم, والعمل على تفريق كلمة المؤمنين تحت أي مفهومٍ ومن أجل أي غرضٍ محرَّمٌ شرعي, لا يجوز للمسلم أن يرتكبه, بل الواجب أن يكون المسلمون كلهم يداً واحدةً على من نابذهم وحاربهم.
هذا المبدأ من أهم مبادئ الخير الذي جاء به محمدٌ صلى الله عليه وآله, ودعا إليها, وعمل على ترسيخها في نفوس المسلمين, وجعلها خُلُقاً طبيعيا لهم, وسلوكاً عفوياً يصدر عنهم, ولكن يا للأسف ما إن فارق هذا الرسول الكريم هذه الدنيا حتى نبذ كثير من أتباعه مبادءه, وتفرقوا شيعاً وأحزابا, يضرب بعضهم بعضا, ويحارب بعضهم بعضا, وحتى أصبحوا لا يكادون يتعارفون, بل في الحقيقة لا يدرون كيف يتعاملون عندما يتفقون, ولا كيف يتواصلون عندما يختلفون, بل الأدهى من كل ذلك أن يكون الفريق منهم على استعدادٍ للتعاون مع أعداء الدين والتنسيق معهم، ولكنه غير مستعدٍ للتفاهم والتحاور مع شركائه في العقيدة, فيروي لنا التاريخ أن الخوارج الذين خرجوا على عليٍ عليه السلام مروا على خنازير لبعض أهل الذمة, فقتل أحدهم خنزيراً من تلك الخنازير, فثاروا عليه وقتلوه, وقالوا له: خفرت ذمة الإسلام واعتديت على مالٍ محترمٍ لذمي, ثم مروا على رجلٍ من قراء القرآن الكريم مع زوجته وكانت حبلى, فسألوه: ما رأيك في عليٍ وما تقول فيه؟ فأثنى عليه ومدحه, فقتلوه وبقروا بطن زوجته, وهكذا صوَّر لهم الجهل بل صوَّر لهم الشيطان أهمية احترام خنازير أهل الذمة وعدم الاكتراث بدماء المسلمين الذين يخالفونهم في بعض الأفكار, وما أشبه الليلة بالبارحة, حيث لا يرى بعض المسلمين من التعاون والتنسيق حتى مع الملحدين غضاضة، بينما يرفضون التعاون والتحاور مع من يختلف وإياهم في بعض الآراء من المؤمنين الذين يدينون معهم بالعقيدة الإسلامية, بل ربما استحلّوا منهم المحارم, فهل هذا ما أمرنا الله ورسوله به من عدم اتخاذ بطانة من دوننا؟ وهل هذا ما أمرنا الله به من عدم التفرق والتحزب؟
نسأله تعالى أن يهدينا جميعاً لمراضيه, ويُجنِّبنا ارتكاب معاصيه, وأن يجمع كلمة المسلمين على الهدى, ويوحِّد صفوفهم على التقوى, ونعوذ به من التعاون مع الملحدين, والتنسيق مع الفاسقين, الذين رفضوا دين ربهم من أن يُطبَّق في بلاد المسلمين, ودعوا إلى غير شريعة سيد المرسلين, إنه نعم المولى ونعم النصير.
إن خير ما ختم به خطيب, واقتدى بهديه متقٍ لبيب, كلام الله الحسيب الرقيب, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِذَا زُلْزِلَتِ الأرْضُ زِلْزَالَهَا & وَأَخْرَجَتِ الأرْضُ أَثْقَالَهَا & وَقَالَ الأنْسَانُ مَا لَهَا & يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا & بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا & يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ & فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ & وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ[[9].
وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الكريم والتواب الحليم.
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله الذي أفاض على قلوب العارفين رواشح أسرار جبروته, وأغرق نفوس الموقنين في لجج بحار ملكوته, وأنطق الموجودات ببليغ آيات نعوته, ]وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الأرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ[[10].
نحمده سبحانه حمداً يُوجب لنا ترادف نعمه الفاخرة, ونشكره تعالى شكراً يُديم لنا هطول آلائه المتواترة, ويضمن لنا الفوز بالغرفات في الحياة الآخرة, ونستعينه جلَّ شأنه على فواجع هذه الدار الغادرة, ونسأله الصفح عن ذنوبنا وسيئاتنا الفاقرة.
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, ذو العزة والبرهان, والملك والسلطان, الممتنع على الوهن والنقصان, والدائم وإن فنيت الدهور والأزمان, والقائم بلا جندٍ ولا أعوان.
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله مصطفاه من بريته, ومختاره لتبليغ دعوته, وعبده الذي اجتباه لختم رسالته, بعثه بين يدي الساعة لإقامة حجته, والدعوة إلى سبيل رحمته, والنذارة من الوقوع تحت طائلة نقمته, فبلغ صلى الله عليه وآله ما أُمر بتبليغه, ودعى إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة, وجاهد في الله حتى أتاه اليقين.
فصلى الله عليه وآله سفن النجاة السائرة في اللجج الغامرة, بل الأقمار الزاهرة في الأفلاك الدائرة, الحجج من الله في الدنيا وملوك الجنة في الآخرة, الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا.
عباد الله, أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله سبحانه واستشعار شعار خوفه, فبهذه النصيحة وصاكم في محكم كتابه، وبها تواترت الرواية عن حفظة دينه ونوَّابه, فاركضوا في مضمار عبادته وطاعته, وخذوا بزمام مراقبته, وتورعوا عن الباطل والوقوع في ربقته, حتى تزكوا منكم الأعمال, وتفوزوا بالآمال, فتقوى الله هي الزاد الذي لا يستغني عنه من شدَّ الرحال, وتأهب عن هذه الدار للترحال، والتقوى أيها الإنسان هي المصاحبة لك إذا تركك المحبون من عُوّادك, وحُملت على أعوادك, ونودي عليك يوم المعاد, وجيء بك على رؤوس الأشهاد, فليس لك في ذلك السفر الذي يشتد فيه الضيق من رفيق, إلا ما تُقدمه من الأعمال، لا ما تجمعه من المال, وتتركه للعيال, والذين هم في الأغلب يكونون لك من ذوي الإهمال.
فاجتهد أيها الإنسان أن تدَّخر لنفسك ما ينفعك في آخرتك, ويُنقذك غداً من ورطتك, ولا تضيع أيام حياتك في اللهو والهزل, واللعب والكسل, فلا يفيدك غداً مالٌ ولا ولد, ولا مفر لك من ملاقاة الواحد الأحد, فاعمل على مرضاته, واجهد نفسك في قرباته, سيما بالحضور في الجمعات, والانصات فيها للنصائح والعظات, والإكثار في يومها وليلتها من الصلوات على محمدٍ وآله الهداة.
اللهم صلِّ على من أنار بطلعته الوجود, وزيَّن بسماحته الكرم والجود, وأسكت بفصاحته شقاشق ذوي الجحود, المكرَّم بالتنزيل الفرقاني, والمؤيَّد بالمعجز القرآني, الدائم برهان دعوته إلى الأبد, النبي الهاشمي المؤيَّد, أبي القاسم المصطفى محمد.
اللهم صلِّ على الوصي السبحاني, والعالم الرباني, والنور الشعشعاني, عصمة الخائف المستجير, المُفطر على قرص الشعير, بل المؤثر به اليتيم والفقير والأسير, وسل عنه هل أتى فإنها نعم المخبر والبشير, صاحب المعاجز والمناقب, ومُحقِّق الرغائب والمطالب, الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صلِّ على السيدة البتول, المعصومة في كل ما تفعل وتقول, التي أذهب الله عنها الرجس بنص الكتاب, وجعل من ذريتها الأئمة الأطياب, المخصوصة بكرامة الحسبين, فاطمة الزهراء أم الحسنين.
اللهم صلِّ على السيدين المبجَّلين, المعصومين بغير مَيْن, والمبرئين من كل دنسٍ ورَيْن, ومن هما للرسول قرتا العين, وللوصي والبتول ثمرتا المهجتين, الإمامين بالنص المبين, أبي محمدٍ الحسن وأخيه الذي قال فيه النبي "حسين مني وأنا من حسين"[11].
اللهم صلِّ على مصباح المحراب, وقيِّم الكتاب, وصاحب الأوراد, وموئل الأمجاد, الإمام بالنص أبي محمدٍ علي بن الحسين السجاد.
اللهم صلِّ على الطود الأشم, والبحر الخضم, حلال عويصات المشاكل, ومُبيِّن الأحكام والدلائل, ذي المعاهد والعلية والمفاخر, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.
اللهم صلِّ على مروِّج المذهب بعد ما اضمحل وذهب, ومُنقذ الشيعة من غياهب العطب, فاتح المغالق, ومُوضِّح الحقائق, ومُعبِّد الطرائق, الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمدٍ الصادق.
اللهم صلِّ على السيد السند, والكهف المعتمد, يوم يفر الوالد من الولد, أستاذ السادة الأكارم, ومعلم المكارم, المستشهد على يد شر ظالم, الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفرٍ الكاظم.
اللهم صلِّ على ينبوع العلم الدفَّاق, وطود الحلم بالاتفاق, المحارَب من ذوي النفاق والشقاق, العالم بأسرار القدر والقضاء, والشفيع إلى الله يوم العرض والقضاء, الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.
اللهم صلِّ على اللطف الإلهي على العباد, المطبِّقة فضائله السبع الشداد, والمطوِّقة فواضله الرقاب والأجياد, ناهج منهج الصدق والرشاد, الإمام بالنص أبي جعفرٍ الثاني محمد بن عليٍ الجواد.
اللهم صلِّ على ملاذي الوارد إذا انسدت الموارد, ومعتمدي القاصد إذا أعوزت المقاصد, عمادي الورى إذا انفصمت العرى, وادلهم الخطب وعرى, الإمامين المطهرين, والسيدين المكرمين, الإمامين بالنص أبي الحسن عليٍ الهادي وابنه أبي محمدٍ الحسن العسكريين.
اللهم صلِّ على القائم بالسيف والسنان, وماحي مناهج الظلم والطغيان, ومُظهر حقيقة الدلائل والبرهان, شريك القرآن, وحجة الله على الإنس والجان, الإمام بالنص مولانا المهدي بن الحسن صاحب العصر والزمان.
نوَّر الله تعالى الزمان بأشعة نوره, وأظهر في عرصة البيان أنوار بدوره, وكشف به مدلهمات دجنات الباطل وديجوره, إنه خير مسئولٍ وأكرم مأمول.
إن خير ما خُتم به الخطاب, وأسرَّ بإعجاز بلاغته العقول والألباب, كلام الله المستطاب في كل باب, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[12].
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه غفورٌ رحيمٌ وبرٌ كريم.
[1] سورة الأنبياء: 92
[2] سورة البقرة: من الآية285
[3] العنكبوت: 46
[4] سورة الأنعام: من الآية159
[5] سورة آل عمران: من الآية103
[6] سورة الأنفال: من الآية46
[7] سورة آل عمران: 105
[8] سورة آل عمران: 118
[9] سورة الزلزلة
[10] سورة الروم: 25
[11] بحار الأنوار - ج43 - ص271 - العلامة المجلسي
[12] سورة النحل: 90
معلومات إضافية
- التاريخ الهجري: 18 ربيع الأول 1423هـ
