khutab aljumaa3

الرفق وترك الفساد والتخريب

الجمعة 9 شوال 1415هـ المصادف 10 آذار 1995م

الخطبة الأولى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رافع درجات الصالحين, ومجزل الثواب للعاملين, خافض مقامات المذنبين, وكاشف زيف المضلين, وفاضح شبهات المزيفين, الذي محق غسق الجهالة بشمس هدايته, وأوضح طرق الدراية بنور دلالته, وحيي الناجون بفضل بينته, وهلك القاسطون بالإصرار على معصيته, فسبحانه سبحانه سبحانه, ما أجل شأنه, وما أعظم امتنانه, وما أوضح بيانه, وما أتم برهانه, بالغةٌ حجته, نافذةٌ مشيئته, قاهرةٌ قدرته, محيطٌ علمه, واسعٌ حلمه, بالمؤمنين رؤوف رحيم.

نحمده على ترادف النعم الفاخرة, ونشكره على توالي آلائه المتكاثرة, ونستعينه على مصائب هذه الدنيا الغادرة, ونستكفيه شر ما تبيِّته لنا الزمر الفاجرة, وما تحفظه علينا القلوب الحاقدة الخاترة, وما تنفثه ألسن البغاة من إشاعات ساخرة, ونلجأ إليه جل اسمه من شرور أنفسنا وتسويلاتها الماكرة, ونسأله العفو عن ذنوبنا وسيئاتنا الفاقرة.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, ذو القوة القاهرة, والآيات الباهرة, المطلع على كل واردة وصادرة, الداعي عباده للدخول في السلم في الدنيا ودار السلام في الآخرة.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله, عبده الصابر في ذات الله على ما ناله من الأحزاب الكافرة, ورسوله الداعي إلى سبيله بالموعظة والحكمة الباهرة, المؤيد بالمعجزات والبينات الواضحة الظاهرة, ونشهد أن الخليفة من بعده هو ابن عمه علي والد العترة الطاهرة, وهو الذي في نشر دعوته آزره وفي جميع الشدائد ناصره.

ونصلي عليهما وعلى آلهما ذوي النفوس النقية الطاهرة, صلاةً دائمةً ناميةً زاكيةً عاطرة, نأمن في ظلالها من نكبات هذه الدنيا ومن عذاب الآخرة.

عباد الله أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله في الإعلان والإسرار, ومراقبته في أنفسكم آناء الليل والنهار, فإنه العليم بخائنة الأنفس وما تخفي الصدور, لا تحجب دونه الستور, ولا يعزب عن علمه شيء في الأرض ولا في السماء, فحاذروا نقمته, واجتنبوا معصيته, وفروا بجَلَدِكُم من موطن غضبه وسطوته, واعتبروا بحال من حولكم من الأمم, التي أصرَّت على معاصيه, كيف حل بها الدمار, وحاق بها العذاب, قد ألبسها شيَّعا, وأذاق بعضها بأس بعض, فأصبحوا في ديارهم خائفين, لا يأمن الجار من جاره, ولا يثق الأخ بأخيه, وها أنتم على دربهم تسيرون, وفي مسالكهم تعمهون, وعلى مناهجهم دائبون, وعما قليل إن لم تؤوبوا لرشدكم لما وصلوا إليه تصلون, فاتقوا الله عباد الله في أنفسكم, ارجعوا إلى ربكم, وحكموا شريعة الله التي أنزل عليكم فإن وراءكم حساب وأي حساب, وعقاب وأي عقاب فلا تقطِّعوا أرحامكم, ولا تفسدوا ذات بينكم فقد أخذ عليكم ربكم في ذلك عهدا أكيدا وموثقا غليظا.

عباد الله كنت قد نصحت لكم حاكمكم ومحكومكم بانتهاج الرفق في الأمور, والأخذ بالميسور دون المعسور, ونبذ العنف والشدة, ولكنها صرخة ذهبت في واد, ونصيحة حالت دون فهمها الأحقاد, فماذا جنيتم منها غير هذه الخسائر, وماذا أصبتم من جراء العنف والشدة من مغانم, لقد أزهقت النفوس, وأسيلت الدماء, وأتلفت الأموال, وخربت البلاد, وانتهك الاقتصاد, بل اعتدي على بيوت الله سبحانه وروع فيها المصلون, وهدمت الصلوات وعطلت الجمعات, ولم يرقب أحد منكم في من يختلف معه ولو في الرأي إلاً ولا ذمة, وصار شتم العلماء والتشويه عليهم بين أظهركم علامة على الإخلاص ولو أنكم راجعتم عقولكم, واستعملتم حكمتكم وحللتم خلافاتكم بالطرق التي أمركم الله باتباعها من التفاهم والتحاور, ونبذتم عنكم البغيَّ والظلم لكنتم أسعد الناس حظا, وأكثرهم سعادة, ولكنكم جميعاً استعجلتم أموركم وأطعتم من لا يريد الخير لكم, ولا يسره أن تعيشوا في دياركم آمنين وهذه نتائج كسبكم.

عباد الله إن الاختلاف في الرأي ليس من مبررات العداوة, ولا من مسوغات الإهانة, والتشويه والكذب والافتراء, والمحاربة والتعذيب, وفي سيرة الخلفاء الراشدين والأئمة المهديين الذين لا يقاس بهم أحد من هذه الأمة متقدمها أو متأخرها نبراس لمن كان له مسكةٌ من دين, وحظ من إيمان، فهذا سيد الموحدين عليٌ عليه السلام يحاور من خالفه باجتهاده بل لا يرضى بالاعتداء على من رد عليه وعارضه ما دام قد اجتهد رأيه وأخلص, فكيف يجوز لكم أن تفسقوا بعضكم بعضا, وتشوهوا على بعضكم بعض لمجرد اختلافٍ في الرأي.

عباد الله إنكم تعلمون وتذكرون أن الملحدين من الشيوعيين وغيرهم من العلمانيين يوم كانوا في الساحة ظاهرين كانوا يشوهون على علمائكم, ويرمونهم بكل قولٍ قبيح رغبة منهم أن يبعدوكم عنهم حتى يتسنى لهم العبث بعقول ناشئتكم, واستئصال جذور الإيمان من أفئدتهم, وقد بقيت هذه الحالة بعد أن اضمحلت قدرتهم بفضل هذه الصحوة الإسلامية المباركة, لأنهم تسللوا بأعداد وافرة في صفوف الشباب المتدين فأخذوا يبثون كثيراً من أفكارهم تحت ستار الدين, ومن هذه الأفكار هي تكريه العلماء للناشئة خاصة وللناس عامة, حتى وصلوا في بعض المناطق في ذلك الغاية, وما حادثة جامع سترة إلا نتيجة لعدم اهتمام المؤمنين من أهلها بالدفاع عن علمائهم وسكوتهم على ما يسمعون من نبزهم من قِبَل الفسقة والملحدين المندسين في صفوفهم, وبقائهم سلبيين في رد الغيبة ومحاربة البهتان على المؤمنين, فكونوا أيها المؤمنون على حذر منهم وافضحوا خططهم الدنيئة وعرفوا الناس بمبتغاهم, وادعوا إلى مقاطعتهم ولا تسمحوا لهم أن يشوهوا على علمائكم فهم المصدر الذي تستقون منه أحكام دينكم, وهم المحيطون بأساليب الذين يريدون أن يبعدوكم عن ربكم لتحقيق مآربهم, فلا تدعوهم يصلون إلى مبتغاهم فإن ذلك سيفرق صفوفكم ويذهب ريحكم ويمَكِنهم من قيادكم.

أسأل الله سبحانه أن يجمع صفوفنا على الهدى والاستقامة, ويلهمنا رشدنا فلا نخالف أحكامه, ويمنَّ علينا بالأمن والأمان, ويجنبنا طوارق الحدثان ويحفظنا في النفوس والأعراض والأموال, ويبلغنا من الدنيا والآخرة الآمال, إنه سميع مجيب وبالإجابة جدير.

إن أبلغ كلام, وأتم نظام, كلام الملك العلام, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]الْقَارِعَةُ & مَا الْقَارِعَة &  ُوَمَا أَدْرَاكَ مَا الْقَارِعَةُ & يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ & وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنْفُوشِ & فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ & فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ & وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ & فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ & وَمَا أَدْرَاكَ مَا هِيَهْ & نَارٌ حَامِيَةٌ[[1].

وأستغفر الله لي ولكم إنه غفور رحيم وتواب كريم.

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي تجلى لعباده بعجيب ملكه الرفيع, وظهر لهم بغريب صنعه البديع, ودلهم على تفرده بوجوب وجود الذات وتوحده بكمال الصفات, بما أراهم في أنفسهم من الآيات البينات, وما جعل من الحكم الباهرة في خلق الأرضين والسماوات, العالم بما تسفي الأعاصير بذيولها, وما تعفي الأمطار بسيولها, وما ينبت من الحب في كثبان الرمال, وما يستقر من ذوات الأجنحة في شناخيب الجبال, وما تغرد به ذوات النطق في الدياجير والآصال.

أحمده سبحانه على عواطف كرمه, وذوارف نعمه, وأشكره على سوانح ألطافه, ورواشح إتحافه, وألجأ إليه في السراء والضراء, وأتوكل عليه في دفع ما تبيِّته الأعداء.

وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, خالق الأرض والسماء, ومبدعهما من تيار الماء, رافع الخضراء بلا عماد, وساطح الغبراء كالمهاد.

وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده الذي تشرف به تاج الرسالة, وصفيه الذي نشرت عليه ألوية البسالة, بعثه رسولاً بين يدي رحمته, إتماماً لحجته, وإنجازاً لعِدَتِه, وإنقاذاً لبريته.

صلى الله عليه وآله أعلام الدين, ومنار المهتدين, وقادة المتقين, والدعاة إلى طاعة رب العالمين, صلاة تثبت القدم في مزالق الندم, وتطهر من الكبائر واللمم, يوم تعرض على بارئها الأمم.

أوصيكم عباد الله وأبدأ بنفسي الطموح إلى زهرات دار الفناء, الجموح عن الاستعداد لدار البقاء, أوصيكم بتقوى الله سبحانه فإنها الوسيلة إلى رضوانه، الموصلة إلى جنانه, الممهدة لنيل إحسانه, بها يصلح العامل عمله, ويصل الآمل إلى ما أمله, ويستدرك المقصر ما أهمله, وأحذركم ونفسي من الانصياع إلى شهوات هذه النفوس الرانية إلى اللذة العاجلة, الذاهلة عما ينزل بها في حياتها الآجلة, المفضلة لمجد الحاضرة على ما أعده الله للمتقين من الدرجات الفاخرة في الآخرة, فاقلعوا رحمكم الله عن التنافس على هذه البضائع البائرة, والانهماك في عمارة هذه الخربة الداثرة, وجدُّوا في تحصيل طيب الزاد إلى دار القرار, واستعدوا لبناء القصور في جوار الملك الغفار, ولا تعكسوا القضية, ولا تستبدلوا تلك المنازل العلية, بهذه الفانية الدنية, ألا ترون أن غناها مشوبٌ بالفتن, وفقرها جالبٌ للحزن, وشبابها يؤول إلى الهرم, وصحتها محتومةٌ بالسقم, ألا تعتبرون بمن اغتر بها ممن سبقكم من الأمم, فكم وثق في صدقها أقوام, ألقت إليهم المقود والزمام, ورفعتهم على سائر الأنام, فاتخذوا الشيطان لهم ملاكا, واتخذهم له أشراكا, فدب ودرج في حجورهم وباض وفرخ في صدورهم, فأغراهم بالزلل, وزين لهم سوء العمل, ومد لهم حبل الأمل, وألهاهم بترهاته عن العمل حتى وافاهم الأجل, قد طربوا في لذتهم وسرورهم, واغتروا بأيامهم وشهورهم, ونبذوا الآخرة وراء ظهورهم, فهم في ثياب التيه رافلون, وعلى أرائك الجهالة متكئون, وفي محاق الغي آفلون, يعلمون ظاهراً من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة غافلون, فما برحت تلك حالهم حتى نشبت فيهم مخالب الأقدار, وأهانت منهم المقدار, وطوحت بهم الدار, وبعُدَ منهم المزار, وعظمت منهم الأوزار, فما بالكم تنسجون على ذلك المنوال, وتحتذون بهاتيك الأمثال، فيا أبناء التراب, ويا عمار الخراب, العادون وراء السراب, مالكم يلهيكم الرزق عن الرزاق, ويشغلكم الصفق في الأسواق, عن العمل بطاعة الواحد الخلاق.

ألا وإنكم في يوم عظيم الشان عند الملك الديان، ففيه تستجاب الدعوات, وتقال العثرات, وتنزل البركات، فاستفتحوا في مسائلكم لرب البريات بإكثار الصلوات والتحيات على قادة الهداة محمد وآله السادات.

اللهم صلِّ على من شرف بوطء نعاله بساط الربوبية, واخترق الحجب حتى أشرقت عليه النفحات اللاهوتية, ودنا كقاب قوسين حتى أعطي الولاية الملكوتية, النبي الأمي المؤيد, والرسول القرشي الممجد، أبي القاسم المصطفى محمد.

اللهم صلِّ على حلال عويصات المشاكل, الذي ليس له بعد النبي صلى الله عليه وآله مُشاكل, سيد الموحدين, وقائد الغر المحجلين، الإمام بالنص علي بن أبي طالبٍ الملقب من الله بأمير المؤمنين.

اللهم صلِّ على البتول العذراء، والدرة النوراء، والإنسية الحوراء، أم الحسنين فاطمة الزهراء.

اللهم صلِّ على قطبي الحرمين, ونوري الملوين, وبدري الخافقين، الإمامين الأكرمين صاحب الأيادي والمنن أبي محمد الحسن وصاحب المحن والبلاء المقتول بكربلاء كريم الحسبين أبي عبد الله الشهيد الحسين.

اللهم صلِّ على مقدام الزهاد, ومصباح العباد, ومنهاج السداد, الإمام بالنص أبي محمدٍ علي بن الحسين السجاد.

اللهم صلِّ على كنز المفاخر, وقطب دائرة المآثر, الفائق شرفا على الأوائل والأواخر، الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.

اللهم صلِّ على النور البارق, في ديجور الجهل الغاسق, غواص بحار الحقائق, والحجة على جميع الخلائق, الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمدٍ الصادق.

اللهم صلِّ على مؤسس أندية الحلم والمراحم, وعنوان صحيفة الأفاضل والأكارم، العالم بما حوته العوالم، أبي الحسن الأول موسى بن جعفرٍ الكاظم.

اللهم صلِّ على منور الأقطار والفضاء، بما أشرق من نور فضله وأضاء, شفيع المذنبين يوم الفصل والقضاء, الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.

اللهم صلِّ على منهل الرشاد, وشارح طرق السداد, وملجإ العباد يوم التناد, الإمام بالنص أبي جعفر الثاني محمد بن عليٍ الجواد.

اللهم صلِّ على السيدين السندين والكهفين المعتمدين, سيدي الحرمين, المبرئين من كل دنس ومين, الإمامين الحجتين أبي الحسن الثالث علي بن محمدٍ وابنه أبي محمدٍ الحسن العسكريين.

اللهم صلِّ على حافظ بيضة الإسلام, وناشر رايات العدل بين الأنام, وقالع شجرة الجور والظلام، المؤيد بالتوفيق والظفر, الإمام بالنص مولانا المهدي بن الحسن المنتظر.

نور الله الأرض بطلعته, وأسعدنا بالنظر لغرته, ووفقنا لنصرته وخدمته, وأدخلنا في حياطة دعوته إنه على ما يشاء قدير وهو السميع المجيب.

إن أشرف ما جرت به الأقلام, وأبلغ ما انتظمت عليه أمور الأنام, كلام الملك العلام, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم.

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[2].

وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين إنه غفور رحيم وتواب حليم.

 

[1]  سورة القارعة

[2]  سورة النحل: 90

معلومات إضافية

  • التاريخ الهجري: 9 شوال 1415
قراءة 802 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)
آخر تعديل في الأحد, 02 أغسطس 2020

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.