khutab aljumaa3

اتقوا معاصي الله في الخلوات

يوم الجمعة 23 ربيع الثاني 1441هـ الموافق 20/12/2019م 

-----------------------------------------

الخطبة الأولى:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ للهِ ذي القدرةِ المختارة، والإرادةِ المطلقةِ الجبّارة، والمشيئةِ الفاعلةِ القهّارة، التي خلقَ بها مخلوقاتِه الثابتةَ والسيّارة، دون حاجةٍ منه إلى حركةٍ أو استخدامِ عبارة، ولا أداةٍ ولا واسطةٍ ولا إشارة.

أحمدُه على جميعِ نعمِه، ووسيعِ بابِ مننِه وكرمِه، وبديعِ صنعِه ومنيعِ حرمِه، مقرًّا بعزتِه وجلالِه وقِدَمِه، مستدرًّا عطفَه ورحمتَه وهواطلَ ديمِه، عابرًا بشكرِه إلى ما وعدَ به من المزيد، وفارًّا مما توعّدَ به قائلًا في القرآنِ المجيد: ((لَئِن شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ ۖ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴿٧﴾ ﴿سورة إبراهيم﴾)). أشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنَّ محمدًا (ص) عبدُه ورسولُه، الحجةُ في الخلائقِ فعلُه وتقريرُه وقولُه. اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمدٍ وآلِ محمدٍ يا ربَّ العالمين، وارحمنا بهم في الدنيا والآخرةِ يا أرحمَ الراحمين.

أما بعد، فيا أيها المؤمنون والمؤمنات، اتقوا اللهَ في جميعِ الأحوالِ والمواقعِ والآنات، فإنَّه سبحانه مطّلعٌ على جميعِ أحوالِكم، وما أديتم أو أخفيتم من أقوالِكم، وما تجاهرتم أو أسررتم به من أعمالكم، ((يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴿١٩﴾ ﴿سورة غافر﴾)).

فاتقوا اللهَ أيها الإخوةُ والأخوات، ولا تستهينوا بأحكامِه في العلنِ أو في الخلوات، وارتقوا بما نبّهَكم إليه أمير المؤمنين عليه السلام إذ يقول: "اتقوا معاصيَ اللهِ في الخلوات، فإنَّ الشاهدَ هو الحاكم".

فيا أيها الإخوةُ الأحباب، تأمّلوا جيدًا ما أنزلَ اللهُ في الكتاب، واعملوا بما وردَ إليكم عن المعصومين الأطياب، قبل أن تتصرّمَ الآجالُ وينزلَ بكم المفرِّقُ بين الأصحاب، فتنتقلوا من سعةِ الدورِ والقصور، إلى ضيقِ اللحودِ في القبور، ومنها إلى ساحةِ العرضِ والنشور، فلا يستطيعُ أحدٌ من ذلك الموقفِ الفرار، ولا ينفعُ أحدًا بين يدي اللهِ الإنكار، فمَن أصرَّ على إنكارِ ما دوّنته الملائكةُ عليه، أُخرِسَ لسانُه وخُتِم على فيه، وأنطقَ اللهُ بالشهادةِ عليه يديه ورجليه، كما أوضحَ ذلكم ربُّنا العظيم، فقال جلَّ جلالُه في القرآنِ الكريم: ((الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَىٰ أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ﴿٦٥﴾ ﴿سورة يس﴾)). كما أوضحَ لنا ربُّنا سبحانه، فأفصحَ قائلًا ضمن ما أنزلَ به قرآنَه: ((وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّـهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ ﴿١٩﴾ حَتَّىٰ إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُم بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴿٢٠﴾ وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدتُّمْ عَلَيْنَا ۖ قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّـهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴿٢١﴾ ﴿سورة فصلت﴾)).

فاتقوا اللهَ أيها الأحبةُ وأطيعوه، وما نهاكم عنه وحذّرَكم منه أولياؤه فدعوه، فإنَّ علمَه محيطٌ بكم، في ذهابِكم وإيابِكم، وفي حلِّكم وترحالِكم، وفي نهارِكم وليلِكم، وبما تعملون بأبدانِكم وأموالِكم، كما ورد عن مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّه قال ضمن توجيهاتِه للأنام: "إنَّ اللهَ سبحانه لا يخفى عليه ما العبادُ مقترفون، في ليلِهم ونهارِهم، لطف به خُبرا، وأحاط به علما، أعضاؤكم شهودُه، وجوارحُكم جنودُه، وضمائرُكم عيونُه، وخلواتُكم عيانه".

وإنني لأدعوكم أيها الأحبةُ الكرام، إلى تأمّلِ ما سأستعرضُه لكم في هذا المقام، من نصوصٍ وردت عن سادتِنا قادتنا العظام، المعصومين عليهم أفضل الصلاة والسلام، راجيًا تأملَ مضامينِها بغرضِ التقيدِ والالتزام، لنحظى برضا الله ونعيمِه يوم القيام. ومنها ما وردَنا عن الإمامِ الصادقِ قولُه عليه السلام: "خَف اللهَ كأنك تراه، وإن كنتَ لا تراه فإنَّه يراك، فإن كنتَ ترى أنَّه لا يراكَ فقد كفرت، وإن كنتَ تعلمُ أنَّه يراكَ ثم برزْتَ له بالمعصية، فقد جعلتَه من أهونِ الناظرين عليك".

وما وردَ عن مولانا الكاظمِ (ع) أنه قال: "إنَّ المسيحَ (عليه السلام) قالَ للحواريين: إنَّ صغارَ الذنوبِ ومحقراتِها من مكائدِ إبليس، يُحقِّرُها لكم ويُصغِّرُها في أعينِكم فتجتمع وتكثر فتحيط بكم".

وفي الختامِ أيها الأحبة، أتلو على مسامعِكم خيرَ ما وجدتُه ختامًا لهذه الخطبة، ألا وهو سورةٌ مما أنزلَ ربُّنا العظيم، على حبيبِه في القرآنِ الكريم. أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيم: ((بِسْمِ اللَّـهِ الرَّحْمَـٰنِ الرَّحِيمِ * إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا ﴿١﴾ وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا ﴿٢﴾ وَقَالَ الْإِنسَانُ مَا لَهَا ﴿٣﴾ يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا ﴿٤﴾ بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَىٰ لَهَا ﴿٥﴾ يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ ﴿٦﴾ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ ﴿٧﴾ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴿٨﴾﴿سورة الزلزلة﴾)).

أقولُ قولي هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولجميعِ المؤمنين والمؤمنات، الأحياءِ منهم والأموات، إنَّه إلهُنا سميعُ الدعوات، ووليُّ الباقياتِ الصالحات، وهو الغفورُ الرحيم.

 

يوم الجمعة 23 ربيع الثاني 1441هـ الموافق 20/12/2019م

-----------------------------------------

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمدُ للهِ الواحدِ في أسمائه وخصالِه، الأحدِ في عظمتِه وعزتِه وجلالِه، الذي عرّفَنا نفسَه بقدرتِه وكرمِه ونوالِه، وشرّفَنا بدينٍ شرعَه وأنزلَه برحمتِه وكمالِه، على يدِ حبيبِه محمدٍ صلى اللهُ عليه وآله.

أحمدُه حمدَ من شملَه بإكرامِه، ودلَّه على أزليتِه وسرمديتِه ودوامِه، وعلى وحدانيّتِه وعظمتِه وإنعامِه، وسهّل له معرفةَ خلفائِه سادةِ أنامِه، وذلّـله إلى التمسكِ بما يرفعُه ويثبّتُ أقدامَه، ويدفعُه إلى ما يسعدُه في الدنيا ويومِ القيامة. وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدًا (ص) عبدُه ورسولُه. اللهمَّ صلِّ وسلِّم على محمدٍ وآلِ محمدٍ المعصومين، وارحمنا بهم في الدنيا والآخرة يا أرحمَ الراحمين.

وبعد، فيا إخوةَ الإيمان، باللهِ ومن أرسل إلى الإنسِ والجان، أوصيكم ونفسيَ المعيبةَ بأدوائها، المستجيبةَ إلى أعدى اعدائِها، وإلى شهواتِها في الدنيا وأهوائِها، بتقوى اللهِ الخالقِ العظيم، الإلهِ الرازقِ الكريم، وبطاعتِه رغبةً فيما أعدّه من النّعيم، لعبدِه الموحدِ الطائعِ المستقيم، ورهبةً من عذابِ النّار، التي أعدَّها للكفرةِ والفجار، ومن حُشر يومَ القيامةِ في الأشرار.

فاتقوا اللهَ وأكثِروا شكرَه، فإنَّه الذي خلقَكم وأرخى عليكم سترَه، الذي لا ينكشفُ حتى يصدرَ فيه أمرَه، وبسببِ ما ترتكبون من الذنبِ فتتحمّلون وزرَه، كما روى مولانا الكاظمَ عن آبائه المعصومين الكرام، قولَ رسول الله عليه وآله أفضلُ الصلاةِ والسلام: "للمؤمنِ اثنان وسبعون سترا، فإذا أذنبَ ذنبًا انتهكَ عنه ستر، فإنْ تابَ ردَّه اللهُ عليه وسبعةً معه، فإنْ أبى إلا قِدْمًا قِدْمًا في المعاصي تهتّكُ عنه أستارُه، فإنْ تابَ ردَّها اللهُ إليه ومع كلِّ سترٍ منها سبعةَ أستار، فإنْ أبى إلا قِدْمًا قِدْمًا في المعاصي تهتّكت عنه أستارُه وبقيَ بلا ستر، وأوحى اللهُ تعالى إلى ملائكتِه أن استروا عبدي بأجنحتِكم، فإنَّ بني آدم يعيّرون ولا يغيّرون، وأنا أغيّر ولا أعيّر، فإنْ أبى إلا قِدْمًا قِدْمًا في المعاصي، شكَتْ الملائكةُ إلى ربِّها ورفعَت أجنحتَها وقالت: يا ربِّ إنَّ عبدَك هذا قد أقدمَنا ممّا يأتي الفواحشَ ما ظهرَ منها وما بطن، قال: فيقولُ اللهُ تعالى لهم: كفّوا أجنحتَكم، فلو عملَ بخطيئةٍ في سوادِ الليل، أو في ضوءِ النهار، أو في مفازة، أو قعرِ بحر، لأجراها اللهُ تعالى على ألسنةِ الناس. فسلوا اللهَ أنْ لا يهتكَ أستارَكم".

فاتقوا اللهَ أيها الأحبةُ المؤمنون، ولا تستصغروا ذنبًا فإنَّ بارتكابه استصغارًا تندمون، كما وردَ في ذلكم عن الرسولِ الأعظم، محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم، أنَّه قال: "إنَّ إبليسَ رضيَ منكم بالمحقِّرات، والذنبُ الذي لا يُغفَر قولُ الرجلِ لا أؤخذُ بهذا الذنبِ استصغارًا له".

وفي الختام، أيها الأخواتُ والإخوةُ الكرام، أدعوكم إلى ما جعله الله كفارةً للذنوبِ والمعاصي العظام، وأمرَكم به فقال منزلًا قرآنا كريما: ((إِنَّ اللَّـهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴿٥٦﴾ ﴿سورة الأحزاب﴾)).

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على سيد خلقِك، المؤكدِ في الخلقِ لأمرِك ونهيِك وحقِّك، حبيبِك ورسولِك المؤيدِ المسدد، أبي القاسمِ المصطفى محمد.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على صفيِّك وصفيِّه، وزيرِه وخليفتِه ووصيِّه، أولِ وسيدِ أوصيائه المؤتمنين، الإمامِ بالنصِّ عليٍّ أميرِ المؤمنين.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على بضعةِ حبيبِك الشريفة، البتولِ المعصومةِ العفيفة، المحدَّثةِ العليمةِ النوراء، سيدةِ النساء فاطمةَ الزهراء.

اللهمّ صلّ وسلّم على ذي الفضائل والفواضل والمنن، المدي بأقواله وأفعاله ما شرّعت من الفرائض والسنن، الإمام بالنص أبي محمد الحسن.

اللهمّ صلّ وسلّم على عظيم التضحية والفداء، لإعلاء ذكرك وإحياء دينك للسعداء، الإمام بالنص الحسين سيد الشهداء.

اللهمّ صلّ وسلّم على الصابرِ في بلائِه، الناظرِ لسبيِ وتشهيرِ أطفالِه ونسائِه، وعرضهم فُرجةً في مجلسِ أعدائِه، فقابل ذلك بالحكمةِ والسداد، الإمامِ بالنصّ عليٍّ السجاد.

اللهمّ صلّ وسلّم على وارثِ المآثر، من أبيه وعمِّه وأجدادِه الأكابر، الإمام بالنصّ محمدٍ الباقر.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على مرجعِ مراجعِ الخلائق، إلى ما أنزلتَ من دقائقِ الحقائق، الإمامِ بالنصِّ جعفرٍ الصادق.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على قدوةِ العابدِ والعالم، المعرَّفِ لعبادتِه وعلمِه بحَبرِ بني هاشم، الإمامِ بالنصِّ موسى الكاظم.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على ثامنِ الأئمة، المؤتمَنِ على دينِك وقيادةِ الأمة، جامعِ علمِ وعدالةِ المرتضى، الإمامِ بالنصِّ عليٍّ الرضا.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على مَن تولّى الإمامةَ في الصِّغر، فأعزَّ شيعتَه بما بيّن وأظهر، ببراعةٍ ورصانةٍ وسداد، الإمامِ بالنصِّ محمدٍ الجواد.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على الإمامَين المعصومَين العبقريَّين، الهمامَين السندَين السريَّين، عليِّ بنِ محمد، وابنِه الحسنِ العسكريَّين.

اللهمَّ صلِّ وسلِّم على مسكِ الختام، لحججِك المعصومين في الأنام، المغيَّبِ المنتظِرِ لإذنِك بالقيام، لينشرَ عدالتِك في الجِنِّ والبشر، إمامِ زمانِنا أبي القاسمِ المنتظَر.

اللهمَّ عجّل له الفرجَ والعافيةَ والنصر، على أعدائك أهلِ الفجورِ والطغيانِ والكفر، وأعزَّ به الإسلامَ وأهلَه، وأذلَّ به النفاقَ وأهلَه، وانشر الأمانَ والإيمانَ له وحولَه، واكتبنا في أنصارِه ومعاضديه، في مقاومةِ أعدائك معانديه، واختِم لنا بالشهادةِ بين يديه، إنَّك على كلِّ شيءٍ قدير، وبالإجابةِ حريٌّ جدير.

عباد الله: ((إِنَّ اللَّـهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴿٩٠﴾ ﴿سورة النحل﴾)).

هذا، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم، ولجميع المؤمنين والمؤمنات، إنَّه هو الغفورُ الرحيم.

معلومات إضافية

  • التاريخ الهجري: 23 ربيع الثاني 1441
قراءة 1452 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.