khutab aljumaa3

أعمال عيد الفطر

الجمعة 26 رمضان 1416هـ المصادف 16 شباط 1996م

الخطبة الأولى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله تزلفا لحضرته, وطلبا لرحمته, واستتماما لنعمته, واستدفاعا لنَقِمَته, والتماسا لعفوه ومغفرته، وفراراً من سخطه وغضبته, الذي خلق الخلق بكلمته, وبرَأهم بإرادته, وجعلهم أنواعا وأصنافا لإظهار قدرته, وفاضل بينهم وِفق حكمته, وخصّ الإنسان بالتفضيل والتكريم, فجعله في أحسن تقويم, وميزه على كثير ممن خلق بالعقل القويم, والفكر المستقيم, فأمره ونهاه, وحمَّله الأمانة دون سواه, وأمره باتباع عقله ونُهاه, وحذره من الإصغاء لهواه.

نحمده جلَّ ذكره على جليل ما أنعم, ونشكره سبحانه على ما أعطى وتكرم, ونعوذ به مما يوصل إلى العذاب في جهنم, ونسأله العفو عن كبائر الإثم واللمم, ونلوذ بجنابه من شر كل من بضِغنه اضطرم, ونلتمسه النجاة في الآخرة من كل ما يوجب الندم, والفوز بالجواز حين تزلُّ من الفاسق القدم.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, ولا رادَّ لمشيئته, ولا معقِّب لحكمه, ذل كل جبار لقدرته, وخضع كل كبير لعظمته, ولا يمكن الفرار من حكومته.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله, ونجيُّه ودليله, وحبيبه وخليله, بعثه بالرسالة هاديا, وإلى صراطه داعيا, بشيرا برحمته, ونذيرا من معاقبته, ومقيما لحجته, ومنقذا لبريته, فبلَّغ صلى الله عليه وآله ما أُمِر بتبليغه لأمته, ونصح لمن استجاب لدعوته, وأنذر من استكبر على ربه لشِقوته.

صلى الله عليه وآله الذين سلكوا على طريقته, واقتدوا بهدي سنته, وجاهدوا في نشر دعوته, وتحملوا أعباء خلافته.

عباد الله, أوصيكم ونفسي الجامحة في هواها, العاصية لمولاها, بتقوى الله سبحانه الذي منَّ عليكم بالوجود من العدَم, وكرمكم بما أسبغ عليكم بما لا تتمكنون من إحصائه من النِعم, فراقبوه في جميع حركاتكم وسكناتكم, وأقوالكم وأفعالكم, مؤدين له شكر أياديه عندكم, وأنَّى لكم والقدرة على شكر نَفَسٍ من أنفاسكم, التي بها تستقيم حياتكم, فضلا عن سائر ما تتمتعون به من النعم الجليلة, والمنن العظيمة, ولكن بقدر المستطاع من مقابلة الإحسان بالإحسان, على أنه سبحانه غنيٌّ عن طاعة من أطاعه, غير متضرر بمعصية من عصاه, ولكنّه جلّ ذكره تعهّد بالزيادة للشاكرين, وبالعذاب للكافرين, الذين أصروا على محاربته, وموالاة عدوه, فلا تعرضوا أنفسكم لغضبه, فإن عذابه شديد, ]نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ[[1].

عباد الله, إنكم في آخر جمعة من شهر رمضان, شهر الله الذي خصه بالرحمة والرضوان, وحفّه بالبركة, يضاعف فيه الأجر للطائعين, ويقبل فيه التوبة من المنيبين, ويقيل فيه العثرة من النادمين, ويعفو فيه عن المستغفرين, فلا تضيِّعوا ما تبقى من أيامه ولياليه فيما لا يعود عليكم بالمنافع الأخروية, أو لا يدرُّ عليكم الأرباح الحقيقية, ففي الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله أن من خرج عنه شهر رمضان ولم تغفر ذنوبه, لم يغفر له إلا في السنة القادمة؛ إلا أن يحج[2]؛ فلا تضيعوا هذه الفرصة التي وفّرها لكم بارئكم بكرمه بالتشاغل بأمور الدنيا, فإنها زائلة كما تعلمون, وأنتم عنها راحلون, ولِما تجمعونه فيها مفارقون, مع إن رزقكم مضمون, وليس بقوة أحد منكم أن يزيد فيما قدِّر له من النصيب من متاعها, وليس باستطاعة أحد منكم أن يحجُب عن غيره ما هو مكتوب له من رِفدها, وإنما تبتلون بعضكم ببعض, حتى يُعلمَ المطيع ممن عصى, ويُعرَف المؤمن من الفاسق الذي غوى, فلا تشغلوا أنفسكم بما هو مقدرٌ لكم, عما ترك لجِدِّكم وكدحكم.

نقوا أنفسكم من حبائل الشيطان ووسوسته, وأخلصوا لله نياتكم يقربكم من حضرته, ويسبغ عليكم شئابيب رحمته, ويؤيدكم بنصره, ويفكُّ عنكم الأغلال التي جعلتموها في أعناقكم, ويدفع عنكم الأخطار التي أوقعتم فيها أنفسكم.

عباد الله, توبوا إلى الله توبةً نصوحاً في هذا الشهر الفضيل, وجاهدوا في فكاك رقابكم من النّار, ابتعدوا عن كبائر الإثم التي أصبحتم بارتكابها مولعين, ولها مستصغرين, وعليها مداومين, ابتعدوا عن الغيبة والبهتان, نقّوا قلوبكم من العداوة لذوي الإيمان, طهِّروا أنفسكم من الأحقاد والأضغان, وحِّدوا صفوفكم على هدْيِ القرآن, ارحموا الضعفاء والفقراء, أعينوا الأيتام والمساكين, فإن الله سبحانه يقول في كتابه: ]فَلا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ & وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ & فَكُّ رَقَبَةٍ & أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ & يَتِيماً ذَا مَقْرَبَةٍ & أَوْ مِسْكِيناً ذَا مَتْرَبَةٍ & ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ)[3].

وفقنا الله وإياكم للعمل بمراضِيه, وجنّبنا معكم ارتكاب معاصيه, وجعلنا جميعا ممن يكون مستقبله خيراً من ماضيه, وجمع بيننا وبين أوليائه وأحبته, وفرق بيننا وبين أهل عداوته ومعصيته, إنه سميع مجيب.

إن خير ما خُتم به الخطاب, وأبلغ ما وعاه أولوا الألباب, كلام الله المستطاب، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]وَالْعَصْرِ & إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ & إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[[4].

وأستغفر الله لي ولكم, إنه غفور رحيم, وتواب كريم.

 

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المحمودِ لذاته, المنعوت لكريم صفاته, الذي كبس الأرض على الماء, وخلق من الدخان أفلاك السماء, وهو القادر على ما يشاء, تفرد بالعزة والجبروت, وله المُلك والملكوت, يحيي ويميت وهو حي لا يموت, فسبحانه لا إله إلا هو الحميد المجيد.

نحمده سبحانه على نعمٍ أولاها, وآلاء أسداها, , وبهجة قد أراها, وبليّة قد كفاها, ونشكره تعالى على التوفيق للإيمان بوحدانيته, والاعتراف بربوبيته, والإلتزام بمبدإ طاعته, والتمسك بحبل من أوجب اتباعه وطاعته, ونسأله أن يسبل ثوب الستر على ما صدر منا من مخالفته, وأن يقيل عثراتنا بسبب الإبتعاد عن جادَّته, ونعوذ به من شر كل فاسق يأبى الإنتباه من غفوته, ونلوذ به من قصد كل حاقد يحسب أن الفوز في كبوته, ونلتمسه التوفيق للقيام بفروض عبادته.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في إيجاد بريَّته, ولا نِدَّ له في قدرته, ولامثل له في عظمته وعزته, لا إله إلا هو الرحمن الرحيم.

ونشهد أنّ محمداً صلى الله عليه وآله عبده المقرب من حضرته, المخصوص بكرامَته, المُختار بمعرفته, المبلّغ لرسالته, الذي أرسله بالهدى ودين الحق إتماما لنعمته, وبعثه بين يدَي الساعة بشيراً لرحمته, وإنقاذا لبريته, وإكمالا لحجته.

صلى الله عليه وعلى الأطائب من آله وذريته, الذين ورثوا علمه وخلافته, وقاموا بنشر دينه وشريعته, والتزموا الدعوة لمنهجه وطريقته, وصبروا على ما نالهم من كلب الدهر وقسوته, أولائك عليه صلوات من ربهم ورحمة وأولائك هم المهتدون.

أيها الإخوان المهتدون, الذين لم تقعد بهم الأعمال عن القيام بالواجبات, ولم تشغلهم الدنيا عن حضور الجمعات, ولم يتبعوا الهوى ويعللوا سلوكهم بالتُرّهات, اعلموا أنه بعد أيام قليلة يُطل عليكم يوم الجائزة, وما أدراكم ما يوم الجائزة, يومٌ عند الله عظيم, يوم التشريف والتكريم, يومَ تبيض فيه وجوه الصائمين, يوم تفرح فيه قلوب المخبتين, فاستعدوا له حق الاستعداد, واجهدوا أن تكونوا ممن يضاعف لهم فيه الأجر والثواب, ويفوزوا برضا الكريم الوهاب.

هذا اليوم أيها الإخوة فيه واجبات, وفيه مندوبات, وينبغي للمؤمن المخلص في إيمانه أن لا يترك فعل تلكم الواجبات, ولا يتهاون في أن يأتي بما يتمكن عليه من المسنونات, فيجب في ذلك اليوم حضور الصلاة مع توفر شرائط الجمعة, فلا يُعذر الإنسان بترك حضور الصلاة بالأعذار الواهية, أما ثاني الواجبات إخراج زكاة الفطرة عن نفسه وعمّن يعوله سواء كان واجب النفقة عليه, أو لم يكن واجب النفقة عليه, فالعِبرة بعيلولته له, حتى الأجير ولا فرق في ذلك أن يكون المُعال مسلماً أو غير مسلم, وقدر الفطرة صاع من الطعام الغالب على قوت البلد, إن لم يُرد العمل بالجنس المستحب لقِطره, ويجوز إخراجها قيمةً فيقدِّر قيمة الصاع ويدفعه إلى المستحق, ووقتها من حين ثبوت هلال شوال إلى زوال الشمس من يوم العيد, ولا يجوز تأخيرها عن ذلك الوقت مع وجود المستحق, إلا إذا كان له ذو رحم غائب ينتظر وصوله أو لُقياه. ولو كان عزَلها عن ماله وأخرها عن الوقت تعمَّداً صح إخراجها وأثم بالتأخير. وأما إذا لم يعزلها عن ماله حتى زالت الشمس من يوم العيد فقد فاتَت عليه تلك الفريضة , ولا بأس بإخراج قدرها صدقة ولكنها لا تكون فطرة.

ومستحِق الفطرة هو مستحِق الزكاة, فتحرم على من انتسب إلى علي وفاطمة عليهم السلام كما تحرم عليهم سائر أنواع الصدقة الواجبة, لكن لو كان الخمُس لا يجزيهم فلا مانع لهم من أخذ الفطرة ممن هو مثلهم في النسب.

وأما مندوبات هذا اليوم الذي جعله الله لمحمد صلى الله عليه وآله وسلم ذخرا وشرفا وكرامة وجعله لأمته عيدا فكثيرة, ومن أهمهما زيارة الأقارب والأرحام, وإطعام الطعام, والتصدق على الفقراء والأيتام, وتهنئة المؤمنين بعضهم بعضا بذلك اليوم.

ألا وإنكم في يوم هو من أجلِّ الأيام, وموسم من أعظم مواسم الإسلام, وإن من أعظم أعماله المكفرة للآثام, والمثبتة غداً للأقدام هو الصلاة والسلام, على المظلل بالغمام, محمد وآله بدور التمام.

اللهم صلِّ على شمس فلك الرسالة, وبدر سماء الدلالة, عِلة الوجود, وصفيِّ المعبود, النبي العربي المؤيد والرسول الهاشمي المسدد أبي القاسم المصطفى محمد.

اللهم صلِّ على أخيه وابن علمه, الراضع من مشكاة علمه, والوارث لمقامه وفهمه, ذي الصوْلات العِظام, والضرْبات بالحسام, مجمع بحري الفضائل والمناقب, الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

اللهم صلِّ على الصديقة الطاهرة, والدرة الفاخرة, سيدة النساء في الدنيا والآخرة, المجهولة قدرا, والمغصوبة جهرا, أم الحسنين فاطمة الزهراء.

اللهم صلِّ على السبطَيْن الإمامين, واللّيثين الضرغامين, تفاحتَي الرسول وثمرتي فؤادَي المرتضى والبتول, ذي الفضائل والجود والمنن, الإمام بالنص أبي محمد الحسن, وأخيه أسير الكربات, ورهين الغُربات المجدل على الرمال, والمخرق بالنبال, العاري عن كل وصمة وريْن, الإمام بالنص أبي عبدالله الشهيد الحسين.

اللهم صلِّ على الراكع الساجد, زينة المحاريب والمساجد, الجوهر الثمين, وثمال اليتامى والمساكين, الإمام بالنص أبي محمد علي بن الحسين زين العابدين.

اللهم صلِّ على البَدر الزّاهر, والبحر الزاخر بنفائس المفاخر, والكنز الذاخر للفضائل والمآثر, الإمام بالنص أبي جعفر الأول محمد بن علي الباقر.

اللهم صلِّ على غواص بحار الدلائل والحقائق, وكشّاف عويصات المسائل والدقائق, نور الله في المغارب والمشارق, الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق.

اللهم صلِّ على مجدِّد المعاهد النبوية والمعالم, وبيت قصيد المفاخر والمكارم, وعنوان جريد الأكابر والأعاظم, الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفر الكاظم.

اللهم صلِّ على السيف المنتضى, ومفصل الأحكام والقضا, الراضي بالقدر والقضا، الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.

اللهم صلِّ على نورك المنبسط على العباد, ومرتضاك للهداية والإرشاد, حامل راية الحق والسداد, الإمام بالنص أبي جعفر الثاني محمد بن علي الجواد.

اللهم صلِّ على من تغنى بفضائله الرائح والغادي, وغمَرت أياديه سكان الحضر والبوادي, وانتشرت مكارمه في المحافل والنوادي, الإمام بالنص أبي الحسن الثالث علي بن محمد الهادي.

اللهم صلِّ على البدر المضي, والسيد الزكي, الطالع شرفا على الزهر والمشتري, الإمام بالنص أبي محمّد الحسن بن علي العسكري.

اللهم صلِّ على ذي الغرة الرشيدة, والأخلاق المحمدية الحميدة, والصولات الحيدرية الشديدة, محيي مراسم الدين والإيمان, وموضح معالم الوحي والقرآن, الإمام بالنّص الواضح البيان مولانا المهدي بن الحسن صاحب العصر والأوان.

عجل الله له الفرج, وسهل له المخرج, وفتح له وبه الرتج, وأوسع له المنهج, وجعلنا من الناعمين أيام دولته, المشمولين ببركة دعوته, إنه سميع مجيب.

إن أبلغ الكلام, وأمتن النظام, كلام الملك العلام, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[5].

وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات, إنّه غفور رحيم, وتواب حليم.

 

 

[1]  سورة التحريم: من الآية6

 [2] "من لم يغفر له في شهر رمضان لم يغفر له إلى قابل إلا أن يشهد عرفة"الوسائل – ج10 ص305 – الحر العاملي وكذا في الكافي – ج4 ص66 – الشيخ الكليني

[3]  سورة البلد 11- 17

[4]  سورة العصر

[5]  سورة النحل:90

معلومات إضافية

  • التاريخ الهجري: 26 رمضان 1416
قراءة 928 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.