khutab aljumaa3

التوحد والاعتصام بحبل الله

الجمعة 01 شعبان 1419هـ  المصادف 20 تشرين الثاني 1998م

الخطبة الأولى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله يحفظ أجر العاملين، ويضاعف الحسنات للطائعين، ويقيل عثرات النادمين، ويمحو سيئات المستقيلين، ويقبل التوبة من المنيبين، ويدفع السوء عن المتوكلين، ]الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ& فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ[[1].

نحمده سبحانه على أن شرح قلوبنا بنور هدايته، ونوَّر عقولنا بإشراقات فِطرته، ونشكره جلَّ اسمه على ما وفقنا إليه من الالتزام بأحكام شريعته، ونسأله تعالى شأنه أن ينقذنا من الوقوع في مهاوي معصيته، ونعوذ به من حبائل إبليس ووسوسته، ونلوذ بحماه وقوته، من بغي أتباع الشيطان وزمرته، ونلتمس منه وهو اللطيف بعباده أن يسكننا في قصور جنته، ويجعلنا من جيرته، ويحشرنا مع النبي صلى الله عليه وآله وعترته.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه وملكوته، ولا مثل له في صفاته ونعوته، ولا مثيل له في قوته وجبروته، ولا ندَّ له في عزته ولاهوته، منه ابتدأ الوجود، وهو وارث كل موجود، وهو المتفضل بالكرم والجود، فسبحانه سبحانه سبحانه، ما أعظم شأنه، وما أعز سلطانه.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله خير من تشرفت به عوالم الرسالة والنبوة، وأعظم من اتصف بالنجابة والفتوة، سيد عباد الله المخلصين، وخاتم أنبيائه المرسلين، ورسوله إلى الجِنة والناس أجمعين، الذي أرغم بحجته معاطس الملحدين، وأخرس ببليغ منطقه شقشقة المشركين.

صلى الله عليه وعلى آله الميامين، وذريته المنتجبين، خلفاء رب العالمين، والقوامين بأمره في العالمين، الحافظين لشرعه المبين، من عبث الجاهلين، وإدغال المبدعين، وكيد الحاقدين، صلاةً دائمةً إلى يوم الدين.

عباد الله أوصيكم بادئاً بنفسي الأمارة قبلكم بتقوى الله سبحانه وخشيته، ومجانبة معصيته، فإنها وصيته لكافة بريته، التي أكدها في محكم كتابه، وبليغ خطابه، فقال جلَّ من قائل: ]لا إِلَهَ إِلاَ أَنَا فَاتَّقُونِ[[2]، وقال سبحانه وتعالى: ]وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ[[3]، وقال عز شأنه: ]وَإِيَّايَ فَاتَّقُونِ[[4]، و]يَا عِبَادِ فَاتَّقُونِ[[5]، وقال جلَّ اسمه: ]وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ[[6]، ]وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[[7]؛ والآيات في الحث على التقوى من الله سبحانه وخشيته كثيرةٌ في القرآن الكريم، بل إنه سبحانه جعل الخشية من الله واتقاء غضبه من صفات العلماء والحكماء، فقال سبحانه وتعالى: ]إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ[[8]؛ وربط السعادة في الدنيا والآخرة بالتقوى.

وليست التقوى صفةٌ تنال بالتصنع والتعمل، وإنما هي سلوكٌ يدفع إليه الإيمان بالله سبحانه، والتيقن من ربوبيته وألوهيته، والتصديق بوعده ووعيده، ولذلك يخاف المؤمن أخذه، ويخشى بطشه، فتراه مشفقاً على نفسه من الوقوع في مصيدة الشيطان، والخوض في أوحال المعاصي، قد قيَّد بقيد الإيمان جوارحه، فصارت كل حركاته وسكناته مراعىً فيها جانب الأوامر الشرعية، والزواجر الإلهية، فصار الناس منه في راحة، قد أمنوا بوائقه، حيث أنهم يعلمون أنه يكف عنهم الأذى بلسانه أو بيده، وهو من نفسه في تعبٍ ومشقة، لكثرة ما يراقب عثارها، ويعنِّفها على هفواتها.

عباد الله ألا وإن من أهم صفات المتقين هي الاعتصام بحبل الله جلَّ شأنه حيث يقول في محكم كتابه: ]فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً[[9]، وقال جلَّ شأنه في آيةٍ أخرى: ]وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ[[10]، وقال عز وجل في آخر سورة الحج: ]وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ[[11]؛ ولكن ما هو المعنى المقصود بكلمة الاعتصام بالله في كتاب الله سبحانه وتعالى؟ كلمة الاعتصام بالله سبحانه تعني التمسك به على الصعيدين الفردي والاجتماعي، فعلى الصعيد الفردي يكون العبد المعتصم بالله سبحانه متوكلاً على الله جلَّ اسمه في جميع شئونه صغيرها وكبيرها، معتمداً على حياطته، واثقاً من رعايته وعنايته، فهو يعرف أنه بدون إقدار الله سبحانه وتعالى له ضعيف، وبدون إعزاز الله له ذليل، أما على الصعيد الاجتماعي فالاعتصام بالله سبحانه وتعالى يعني التمسك بالجماعة الإسلامية وعدم اتخاذ وليجةٍ دونها، وعدم الاستعانة بأعداء عقيدتها، أو الدخول معهم في أمرٍ جامع، يقول سبحانه وتعالى في سورة النساء: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَنْ تَجْعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً مُبِيناً & إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرا & إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً[[12]؛ فالله سبحانه وتعالى ينهى المؤمنين بأن يتخذوا الكفرة أولياء لهم ينصرونهم ويشدون أزرهم دون المؤمنين الذين يجب أن يكونوا يداً واحدةً على من سواهم، بل يجعل من يتخذ الكفرة أولياء له بحجة العمل من أجل مصلحة الوطن أو تحقيق مصالح الشعب أو غير ذلك من المبررات، إنما يكشف عن وجود خلة النفاق في نفسه، وعدم إخلاصه لربه، وأن هؤلاء الذين ينافقون المؤمنين وهم يتخذون الكفرة أحلافاً وأولياء سيكونون في الدرك الأسفل من النار، وإنما قلنا أنهم ينافقون المؤمنين ويخادعونهم بما يظهرونه من كلمة الإسلام، والتظاهر بالعمل على تحقيق مصالح المسلمين، للاستثناء الوارد في ذيل الآية المباركة بقوله تعالى: ]إِلاَ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ  الْمُؤْمِنِينَ[[13]؛ ولو كان المقصود بهذا النفاق، النفاق الذي يرجع إلى أصل الإيمان بالله تعالى وبرسوله فإنه لا توبة للمنافق ترتجى حسب نص القرآن حيث يقول تعالى في سورة المنافقين: ]ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَفْقَهُونَ[[14]، ومن يطبع على قلبه بحيث يصير لا يفقه القول لا يرجى له أن يرجع عما كان عليه، ويدل على هذا المعنى ما جاء في سورة البقرة من قوله تعالى: ]إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ & خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[[15]؛ والخلاصة أن النفاق الذي يتعلق بأصل الإيمان ويحصل فيه الختم والطبع على القلب لا يرجى لصاحبه توبة بخلاف هذا النفاق المذكور في هذه الآية فإنه نفاقٌ للمؤمنين واستغفالٌ لضعفائهم نابعٌ من حب الدنيا وضعف الدين، ولذلك يرجى لصاحبه التوبة، على أي حال إن اتخاذ الكافرين أولياء وناصرين يخرج الإنسان من حقيقة الاعتصام بالله سبحانه والإخلاص له، فإن أقل ما فيه من ضررٍ على المؤمنين أنه يؤدي إلى شق صفهم، لأن الكفرة سيعملون على شق الصف الإيماني حتى لا يسمع الذين تورطوا بالتحالف معهم نصيحة إخوانهم فيؤدي ذلك إلى إيغار الصدور وبث العداوات، وزرع الأحقاد، مما يضر بالوحدة الإسلامية والأخوة الإيمانية، التي تمثل حقيقة التقوى من الله سبحانه وتعالى، بل تجسد حقيقة الانتماء إليه تعالى ولذلك يقول جلَّ اسمه في محكم كتابه: ]يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ & وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ & وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ & وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ[[16]؛ فالتوحد والاعتصام بحبل الله سبحانه وتعالى يجسد حقيقة التقوى من الله سبحانه، لأنه تجسيدٌ للأخوة الإيمانية، بخلاف الفرقة والاختلاف فإنما توجبان العداوة وتخلقان الأحقاد مما يؤدي إلى ضعف الفئة المؤمنة، وهذا في الحقيقة هو مبتغى الكفار والملحدين، الذين يحصلون على موادة المؤمنين ومصافاتهم وتوليهم والاستعانة بهم. والدعوة إلى الخير من أجلى مصاديقها الدعوة إلى الالتفاف حول راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله، من أظهر معانيها دعوة المؤمنين إلى التوحد ولم الصف على الانضواء تحت كلمة التوحيد، وطبعاً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر معناهما الأمر بإيصال ما أمر الله به أن يوصل، وقطع ما أمر الله به أن يقطع، الأمر بالمعروف معناه الأمر بفعل الواجبات في الشريعة الإسلامية، والنهي عن المنكر معناه النهي عن ارتكاب المعاصي والمحرمات عما  في دين الله.

فيا عباد الله اتقوا الله وكونوا مع الصادقين، ووحدوا كلمتكم على الالتزام بشرع الله، ورصوا صفوفكم تحت راية الدعوة إلى صراط الله، ولا تحيدوا عن منهج الله الذي أوحى به لرسله، وضمنه كتبه، يعجبكم ما أنتجته قرائح الكفرة فتطلقون عليهم أنهم بناة الحضارة، وما هم إلا دعاة تعربٍ وبداوة، ورجوعٍ إلى أحقاب الجهل والظلام، ]قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ[[17].

هدانا الله وإياكم سواء السبيل، ووفقنا معكم إلى العمل بما جاء في التنزيل، ونجانا جميعا من الانخداع بتزيين الضِلّيل، إنه بنا رؤوفٌ رحيم.

إن خير ما وعظ به المؤمنون، والتزم به المتقون، كلام من إذا قال للشيء كن فيكون، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]وَالْعَصْرِ & إِنَّ الْأِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ & إِلاَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ[[18].

وأستغفر الله لي ولكم  إنه غفورٌ رحيم وتوابٌ حليم.

 

 

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله الذي تسربل بالوحدانية فهو الواحد الأحد، الفرد الصمد، تردى بالجبروت والكبرياء، وقهر من دونه بالموت والفناء، اتصف بالرحمة والإحسان، والتجاوز والامتنان، الذي دل على غناه بفقر الممكنات، وعلى قدمه بإيجاد الحادثات، وعلى قدرته بعجز المخلوقات، خلق الإنسان وعلمه البيان, ووضع له الشرائع والأديان، وأنزل لتكميله وهدايته الكتب والقرآن.

نحمده سبحانه بكل ثناءٍ يليق بعز جلاله، ونثني عليه تعالى بكل مدحٍ يناسب علو كماله، ونشكره على قديم كرمه وعميم نواله، التماساً للزيادة من منِّه وإفضاله، وفراراً من أليم أخذه ونكاله، ونعوذ به من وسوسات الشيطان وأعماله، ونستعين به جلَّ اسمه على نوائب الدهر وأهواله، ونلوذ به من شر كل باغٍ قد نسي يوم مآله، ولم يراقب ربه في شيءٍ من أقواله وأفعاله، ونسأله التوفيق للالتزام والعمل بما بلغناه من وصاياه وأقواله، والنجاة يوم العرض من نسيانه وإهماله.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو النعم التي جلَّ عن الإحصاء عددها، والمنن التي عز على التحديد أمدها، والحجج التي انبهر بصدقها جاحدها، العالم بالخفيات فلا يخفى عليه معتمدها، المطلع على النيات فلا يشتبه عليه غافلها وعامدها.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده المبعوث لكافة الخلق بخير الدارين، أرسله بين يدي الساعة بشيراً ونذيرا، وجعله للبرايا شمساً مضيئةً وقمراً منيرا, وحمله الدين القيم ليظهره على الدين كله ولو أبى من كان آثماً وكفورا، فبلغ - صلى الله عليه وآله- ما أُرسل به وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

صلى الله عليه وآله ذوي الفضل والنبالة، والمهابة والجلالة، الذين تحملوا الأذى في جنب الله، وصبروا على ما نالهم من أعداء الله، وبينوا ما استحفظوا من كتاب الله، لم تأخذهم في ذلك لومة لائم، ولا منعهم عن إرشاد المؤمنين إزراء غاشم، صلاةً دائمةً آناء الليل والنهار، مرضيةً من الرحيم الغفار.

عباد الله أوصيكم ونفسي قبلكم بامتثال أوامر الله سبحانه، والإنزجار عن نواهيه، فإنه لا طريق إلى مرضاته إلا بطاعته، ولا سبيل إلى الفوز بجنته إلا بالتمسك بهديه ولزوم جادته، والسير على شريعته التي أمر عباده بالسير فيها، بالاستنان بسنن رسوله وأنبيائه، واتباع آثار الأئمة من أوليائه، وأحذركم بادئاً بنفسي الأمارة قبلكم من استحلاء شهوات هذه الدنيا، والانزلاق في حبائلها، وأخذ الحذر منها، فإنها عدوةٌ ماكرة، ومتصيدةٌ خطرة، كم ألهت قروناً قبلكم بخمرة وصالها، واستخدمتهم طلباً لمرضاتها، وسقتهم نقيع العلقم على أنه الشهد فشربوه ثقةً بإخبارها، وأطعمتهم السم الزعاف فأكلوه اطمئناناً بحبها وإخلاصها، فما زالوا من خمرة حبها ثملين، وبنشوة ألحانها طربين، وعما يصلحهم في الآخرة غافلين، تمنيهم بطول الأمل، وتحضهم على تسويف العمل، وتوقعهم في شباك عدوهم بالحيل، حتى إذا دنت منهم الآجال، وحملوا على رؤوس الرجال، وحوسبوا على ما أتوا من الأعمال، أفاقوا من نومتهم، وعضوا الأنامل على ما فرطوا في حق أنفسهم، وتذكروا قول بارئهم: ]وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَ مَتَاعُ الْغُرُورِ[[19]؛ فاعملوا رحمكم الله على الإفلات من وثاقها، وجاهدوا أنفسكم للخلاص من أسرها، وانظروها بعينٍ صحيحةٍ لم يعشها عشقها، وتذكروا قول بارئكم: ]وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى & فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى[[20].

جعلني الله وإياكم من الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ونجانا جميعاً من حبائل الهوى وسقطات الردى.

ألا وإنكم في يومٍ عظيم الشأن عند الملك الديان، كما وردت بذلك الأخبار عن أمناء الملك الجبار، وأن من أفضل نوافله، وأنفع أعماله، هي الصلاة والسلام على محمدٍ وآله الأعلام.

اللهم صلِّ على طهر الأطهار، ونور الأنوار، المنتجب من خيرة الخيرة من آل نزار، صفي الملك الجبار، والمنصور على كل باغٍ بتأييد الملك القهار، النبي العربي المؤيد، والرسول الأمي المسدد، أبي القاسم المصطفى محمد.

اللهم صلِّ على نفسه العلوية، وروحه القدسية، الذي قصرت العقول عن إدراك حقيقة ذاته، وحارت الأفكار في معجزاته وصفاته، فلذا ادعي له مقام الألوهية، ورفع عن حضيض المربوبية، الكوكب الثاقب، ذي الفضائل والمناقب، الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

اللهم صلِّ على السيدة الجليلة، والعابدة النبيلة، المدنفة العليلة، ذات الأحزان الطويلة والمدة القليلة، البتول العذراء، أم الحسنين فاطمة الزهراء.

اللهم صلِّ على قرتي العين، ونجمي الفرقدين، وسيدي الحرمين، ووارثي المشعرين، الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن، وأخيه الإمام بالنص أبي عبد الله  الشهيد الحسين.

اللهم صلِّ على سيد الساجدين، ومنهاج المسترشدين، ومصباح المتهجدين، الإمام بالنص أبي محمدٍ علي بن الحسين زين العابدين.

اللهم صلِّ على قطب دائرة المفاخر، وصدر ديوان الأكابر، ذي الصيت الطائر في النوادي والمحاضر، الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.

اللهم صلِّ على الفجر الصادق في ديجور الجهل الغاسق، والوميض البارق في المغارب والمشارق، الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمدٍ الصادق.

اللهم صلِّ على البدر المحتجب بسحاب المظالم، والنور المبتلى بعداوة شر ظالم، زينة الأكابر والأعاظم، الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفرٍ الكاظم.

اللهم صلِّ على من سطع نور كماله وأضاء، وطبق شعاع مجده الأرض والفضاء، شفيع محبيه يوم الفصل والقضاء، الراضي بكل ما جرى به القدر والقضاء، الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.

اللهم صلِّ على مجمع بحري الجود والسداد، ومطلع شمسي الهداية والرشاد، الموقع عن الله في الإصدار والإيراد، والمشفع عنده يوم التناد، الإمام بالنص أبي جعفرٍ الثاني محمد بن عليٍ الجواد.

اللهم صلِّ على الهمامين السريين، والعالمين العبقريين، السيدين السندين، والكوكبين الدريين، الإمام بالنص أبي الحسن الثالث علي بن محمدٍ وابنه الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن العسكريين.

اللهم صلِّ على المدخر لإحياء القضية، والقيام بنشر الراية المصطفوية، وبسط العدالة بين كافة البرية، وإماتة كل بدعةٍ زرية، صاحب المهابة الأحمدية، والشجاعة الحيدرية، باهر البرهان، وشريك القرآن، والحجة من الله في هذا الزمان على جميع الإنس والجان، الإمام بالنص مولانا المهدي بن الحسن صاحب العصر والأوان.

عجل الله له الفرج، وسهل له المخرج، ونشر على بسيط الأرض منهجه، وكشف به عنا مدلهمات الفتن، وأخمد بطلعته نيران المحن، وجعلنا من المشمولين برعايته وحياطته، ونجانا مما يراد بنا ببركة دعوته، وجعلنا من المؤمنين بإمامته، الموفقين لخدمته ونصرته، إنه على كل شيءٍ قدير وبالإجابة جدير.

إن أبلغ ما تلاه التالون، وعمل بموجبه المهتدون، كلام من يقول للشيء كن فيكون، أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[21].

وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

[1]  سورة آل عمران:173-174

[2]  سورة النحل: من الآية2

[3]  سورة المؤمنون: من الآية52

[4]  سورة البقرة: من الآية41

[5]  سورة الزمر: من الآية16

[6]  سورة البقرة: من الآية197

[7]  سورة البقرة: من الآية189

[8]  سورة فاطر: من الآية28

[9]  سورة النساء:175

[10]  سورة آل عمران: من الآية101

[11]  سورة الحج:78

[12]  سورة النساء:144-146

[13]  سورة النساء: من الآية146

[14]  المنافقون:3

[15]  سورة البقرة:6-7

[16]  سورة آل عمران:102-105

[17]  سورة يوسف:108

[18]  سورة العصر

[19]  سورة آل عمران: من الآية185

[20]  سورة النازعات:40-41

[21]  سورة النحل:90

معلومات إضافية

  • التاريخ الهجري: 01 شعبان 1419هـ
قراءة 1155 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.