طرق اثبات الهلال وزكاة الفطرة
أولا: طرق اثبات الهلال:
يثبت الهلال بطرق متعددة منها:
- الطريق الأول:
الذي يفيد العلم من هذه الأدلة وهو رؤية الانسان نفسه للهلال, فإذا رأى الهلال بنفسه علم بأن الشهر قد انتهى وان شهرا جديدا قد دخل, حتى لو لم يكن معه أحد, وحتى لو أجمع الناس على عدم رؤية الهلال, وبذلك يوجب الشرع الصوم أو الافطار أو الوقوف بعرفة على ذلك الشخص وإن كان منفردا.
- الطريق الثاني:
هو الرؤية العامة ومعناها أن يكون الهلال موجودا في السماء بحيث يراه كل ذي عينين سليمتين, ويراه كل من رفع رأسه الى السماء في تلك الجهة التي يكون فيها الهلال, ولو ان إنسانا لا يتمكن من الرؤية ولكن عرف أن كل سليم نظر رأى الهلال فعليه أن يجزم جزما يقينيا أن ذلك الشهر قد انتهى وأن شهرا جديدا قد ولد, وتترتب عليه الأحكام المترتبة على ذلك الهلال من صوم أو فطر أو غير ذلك من نذر ووقف.
- الطريق الثالث:
التواتر, والمقصود به هو إخبار جماعة بلغوا من الكثرة والتعدد حدا يستحيل معه أن يتفقوا على الكذب, ويشترط في التواتر أن تكون السماء خالية من كل العلل؛ ليس فيها غيم أو غبار أو دخان أو غير ذلك من العلل الأخرى المانعة, فإذا كان ذلك فلابد من حصول عدد كبير من شهود رؤية الهلال.
- الطريق الرابع:
وهو أقل درجة من الطرق الثلاث المتقدمة في إفادة العلم؛ ولذلك يعبر عنه العلماء بأنه يفيد الاطمئنان أي أن يحصل ذلك بواسطة إخبار جماعة يتعذر اجتماعهم على الكذب, لا أنه يستحيل كما يعبر عنه في التواتر ولكن يتعذر اجتماعهم على الكذب .. فإذا كانت هذه الجماعة مختلفة ومتفرقة في البلدان يستفاد منها الاطمئنان, وهذا الاطمئنان في الحقيقة نوع من العلم ولكن ليس على درجة اليقين كما هو الحال في التواتر.
أما اذا كانت السماء معلولة بإحدى العلل المانعة فإنه يختلف الحكم باختلاف العلة المانعة, فتارة تكون العلة من الغيم, وتارة أخرى تكون من غير الغيم [العلل الأخرى] فقد اختلف الفقهاء فيما إذا كانت العلة من الغيم [السحاب] وليست معتلة بالعلل الأخرى, فقد اشترط بعضهم أن تكون البينة من خارج البلد لا من داخل البلد, وقالوا إذا كانت في السماء فرجة فإنه لا يراه هذان الاثنان فقط وإنما يراه كل ناظر من هذه الفرجة, وبذلك لابد أن تكون البينة من خارج البلد حتى يحتمل وجود فرجة عند الشاهدين لم تكن موجودة لسائر المشاهدين. وإلى هذا يذهب صاحب الحدائق رحمه الله بأنه اذا كانت العلة غيما فلا بد أن تكون البينة من خارج البلد.
وكذلك يثبت الهلال عند جماعة من الفقهاء بإخبار جماعة متواترة بوجود البينة, فلو تواتر بين الناس ان زيدا وأن عمرا قد رأيا الهلال, وكانا معروفين بالعدالة فلا يلزم السماع من الشاهدين بنفسهما، بل وجود التواتر بالبينة يكفي للعمل بتلك البينة, وهذا عند بعض الفقهاء لا عند جميعهم, كالسيد الخوئي حفظه الله كما يظهر في منهاج الصالحين, وكذلك لو نقح البينة الحاكم الشرعي وأعلن إثباته بذلك فلا إشكال في أن السيرة القطعية المستمرة بين المسلمين هو العمل بتلك البينة، ولا يلزمون أنفسهم بأنه يجب على كل إنسان أن يسمع البينة بنفسه, بل يكتفي بإعلان الحاكم الشرعي في ثبوت الهلال. ولكن لو حكم الحاكم بالهلال سواء على تلك البينة أو حتى لو كان مدركه الشياع فإن العلماء يختلفون عندئذ, فمن يرى أن حكم الحاكم ينفذ في الموضوعات يجب السير على حكم الحاكم في تلك الواقعة, ومن يرى أن حكم الحاكم لا ينفذ في الموضوعات فحكمه لا يكون ملزما للناس في تلك الواقعة كصاحب الحدائق رحمه الله وسيدنا الاستاذ الخوئي أيده الله وأدام ظله فإنهما لا يريان أن للحاكم الشرعي حق الحكم في الموضوعات؛ ولذلك لو قال الحاكم الشرعي حكمت بأن غدا هو أول شوال فلا تجب متابعته, فهذا ما يتعلق بالهلال، والمرجو من الأخوة والشباب الاستهلال ليس في شهر رمضان فقط بل في سائر الشهور لحل الشبهة الموضوعية.
ثانيا: الكلام في زكاة الفطر:
ومن تمام الصيام إخراج الصدقة بعده، وهذه الصدقة هي المعروفة بالفطرة، وهي زكاة الأبدان, فكما أن على الأموال زكاة فعلى الأبدان زكاة كذلك, وفي هذه الزكاة رد على من يتهم الإسلام بأنه عامل غير المسلمين معاملة قاسية وأوجب عليهم الجزية على الرؤوس .. نقول إن الإسلام أوجب الزكاة على المسلمين عن الرؤوس؛ غاية ما هناك أن المسلم لما كان يعتقد الثواب من الله سبحانه وتعالى، وأن ذلك امتثال لأمر الله، ويدفعها طوعا، ويدفعها معتقدا أن الله قد أكرمه بهذا التكليف، ورفعه من حد البهيمة السائبة إلى حد الانسان المتحمل للمسؤولية؛ بخلاف الكافر فإنه يدفع الجزية صاغرا لأنها تؤخذ منه قهرا وهو لا يعتقد أنه يثاب عليها في الآخرة, ولذلك عبر عنه سبحانه وتعالى بالصغار فقال: ]حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ[[1].
ولكن لم يفرده الإسلام بالدفع عن الرأس حتى يقال لماذا كلف الإسلام من لا يؤمن به بدفع شيء عن رأسه وكأنها ضريبة على بدنه, نقول إن هذا حق لغيره، وهذا الحق يأخذه الاسلام من المسلم والكافر, وكل من يعيش تحت دولته يلزمه أن يدفع عن رأسه مقداراَ معيناَ من المال, ولكن أن يكون مسلما فيدفعه عن اختيار ويحصل عليه الثواب، ويكون هذا إكراما له؛ أو أن يكون كافرا فيؤخذ منه رغما عن أنفه وتحقيرا لشأنه مع عدم وجود الثواب عليها, وأيضا فرق آخر بين زكاة الفطر والجزية وإن كان كل منها على الرؤوس, فإن الزكاة محددة غير قابلة للزيادة والنقصان, والتكليف فيها ورد عن الله وعن الرسول صلى الله عليه وآله بمقدار محدد باق الى يوم القيامة, بخلاف الجزية فإن الله سبحانه وتعالى قد فوض أمرها للرسول صلى الله عليه وآله وإلى خلفاء الرسول صلى الله عليه وآله من بعده في مدى زيادتها أو إنقاصها كل وقت بحسبه, ولهم أن يعفوا عنها ويلزموا من يشاؤون, وهذه الجزية في الحقيقة تصغير لشأن هذا الكافر حتى يراجع نفسه، وأن يستمع لصوت فطرته وعقله, ومع ذلك فلابد من النظر إليه بعين الرحمة، فينظر في حاله ومدى قدرته على الدفع, ولذلك فوض الله سبحانه وتعالى تقدير ظروفه وقدرته على الدفع إلى ولي الأمر حتى يخفف على من يستحق التخفيف, والتشديد على من يستحق التشديد منهم.
على أي حال فإن هذه الزكاة وهي زكاة الأبدان قرنها الله سبحانه وتعالى بالصيام, لأن الصيام في الحقيقة هو زكاة للبدن من الشهوات والمعاصي طيلة العام, وفي هذا الشهر المبارك حيث يتعفف الإنسان عن كثير مما كان يزاوله، ويصفو قلبه بممارسة هذه الرياضة الشرعية, فتأتي بعد ذلك الزكاة لتخلصه من شح نفسه, فإنه بعد أن جاهد نفسه بالصبر على ترك المفطرات وترك المعاصي، ومحاولة كسر شهواته في هذا الشهر, فعلى إرادته أيضا بأن تجاهد لتخليصه من ملكة الشح والبخل, فأوجب الله سبحانه وتعالى عليه أن يخرج هذه الزكاة عن نفسه, وعمن يجب عليه نفقته, ومن يعيله, وعن الضيف الذي ينزل عنده في ليلة العيد, وعن الأجير الذي تكون نفقته عليه, وليس المقصود بالضيف من يزورك ليلة العيد ويتفطر عندك ثم ينصرف, حتى أني وجدت كثيراَ من الناس يتقاطعون ليلة العيد في الزيارة بسبب هذا الوهم, وليس الامر كذلك, فهذا لا يقال له ضيف, وإنما الضيف من ألقى رحله عندك بعد أن جاء من بلد بعيد لا تدري أنه سوف يذهب اليوم أو غدا أو بعد غد, فهذا يقال له ضيف, لا من تدعوه للإفطار عندك برجاء تحصيل مثوبة قوله صلى الله عليه وآله "من فطّر صائما فله أجر صائم", والحمل ليس عليه فطرة، ولكن لو ولد هذا الحمل ليلة العيد قبل ثبوت الهلال تجب الفطرة عليه, وأما لو ولد بعد ثبوت الهلال وقبل زوال الشمس من يوم العيد فلا يجب إخراج الزكاة عنه وإن كان الأفضل والأحوط إخراجها عنه لو ولد بعد ثبوت الهلال وقبل زوال الشمس من يوم العيد.
ومستحق زكاة الفطر هو مستحق الزكاة المالية الأخرى، وهم أصحاب العنوان المذكورين في آية الصدقات: ]إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ[[2]، ولا شك أن ذوي الأرحام أولى بها من غيرهم, فلو لم يكن ذو الرحم موجودا في وقت إخراجها جاز له أن يعزلها حتى يسلمها إلى ذي الرحم, وفي حالة عدم وجوده يلزمه إيصالها إلى المستحق في نفس وقتها بقدر الإمكان, فإذا لم يوصلها في وقتها إلى المستحق وكان قد عزلها عن سائر أمواله في وقتها فهي فطرة، وإن لم يعزلها عن أمواله حتى انتهى وقتها فقد فاتته الفطرة, ويأثم على ذلك، وصارت صدقة عادية.
وقت الفطرة: يعني وقت إخراج الفطرة من طلوع الشمس أو من طلوع الفجر عند بعض العلماء إلى زوال الشمس من يوم العيد وأفضل أوقاتها أن يخرجها بعد صلاة العيد, فإذا صلى العيد دفعها إلى المستحق, ويجوز عزلها عن أمواله من ليلة العيد بعد ثبوت الهلال.
مقدارها: صاع من أصوعة النبي صلى الله عليه وآله, والصاع أربعة أمداد, صاع الفطرة أربعة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وآله, وصاع الغسل خمسة أمداد بمد النبي صلى الله عليه وآله, وقد وقع الاختلاف الكبير في تقدير المد وتقدير الصاع بعد أن اتفقوا على أنه ستة أرطال بالعراقي، ولكنهم اختلفوا في تقديره من حيث المثاقيل, فمنهم من بنى على المثاقيل الصيرفية فصارت الفطرة عنده في هذا الزمان بما يعادل ثلاثة كيلوات فرنسية, إلا غراما واحدا, ومنهم من بنى على المثاقيل الشرعية التي هي الدينار الشرعي المتفق عليه بين الخاصة والعامة، وأنه لم يختلف في الجاهلية والإسلام فصارت الفطرة بما يعادل هذا الزمان من الأوزان الفرنسية المستعملة في السوق خمسة كيلوات لا ثلاثة كيلوات, والفرق بين المثقال الشرعي والمثقال الصيرفي هو أن كل ثلاثة مثاقيل صيرفية تعادل مثقالين شرعيين, والمثقال الشرعي أو الدرهم الصيرفي المعتبر في المثقال ثماني وأربعون شعيرة متوسطة الحجم, وبالنسبة للمثقال الشرعي أو الدرهم الشرعي يكون اثنان وسبعون شعيرة متوسطة الحجم, بمعدل كل ثلاثة دراهم صيرفية درهمين شرعيين, وقد قدّر صاحب الحدائق الفطرة في سنة [1170هـ] بوزن البحرين بناء على الدراهم الشرعية التي يختارها فصارت ثلاثة آلاف من الآلاف المستعملة في البحرين والموسومة بمثقال [بار], ومثقال [بار] هو الذي كان يوزن به المن؛ لأن الوزن الذي كان في البحرين إلى ما قبل دخول الإنجليز هو الألف المثقال المعروف بمثقال [بار]، والمثقال الواحد لا أتذكر هل يساوي أربع أو خمس تولات, على أي حال فإن كل ستة عشر مثقالا يقال له [قياس]، وكل قياسين يسمى [ألف]، وكل ستة عشر ألفا يسمى [منا]، والمن يساوي بوزننا الحاضر خمسة وعشرين كيلو غرام فرنسي.
فبناء على ذلك تكون الفطرة بالنسبة لهذا الوزن خمسة كيلوات, وأما بالنسبة للشيخ عبدالله الستري رحمه الله والمشهور بين العلماء الآخرين من الأحياء والأموات فهو ثلاثة كيلوات, إلا أن صاحب الحدائق وابن أخيه الشيخ حسين يعتبران الوزن بالمثقال الشرعي، فقد قدرا الفطرة بخمسة كيلوات, ووجدت في النجف الأشرف أن السيد حسين الحمامي رحمه الله يقدرها بخمسة كيلوات, وعبر في رسالته بأنها [حُقّة] نجفية ونصف الحقة النجفية، وهذا معناه أنه يكون خمسة كيلوات, وكذلك السيد عبدالله الشيرازي المتوفى قريبا يقول: إن هناك فطرتين, الفطرة الواجبة وهي ثلاثة كيلوات وفطرة الاحتياط خمسة كيلوات, على أي حال لا يمنع الإنسان من دفع الزائد حتى لو كان يقلد من يقول بالناقص ولا يكون العكس.
ومن شرائط الفطرة أن الصاع لا ينقسم على فقيرين, وأقل ما يعطى الفقير صاع، ولا يجوز قسمة ذلك بين فقيرين, ومن كان فقيرا ممن يستحقون الفطرة وسائر الزكوات فهذا لا تجب عليه الفطرة لأنها تجب على من ملك قوت سنته له ولعياله الواجبي النفقة بالفعل أو بالقوة, وأما إذا كان لا يملك قوته وقوت عياله واجبي النفقة لمدة عام لا بالفعل ولا بالقوة فهذا ممن يستحق الفطرة؛ ولكن الأحوط كما يقول العلماء أن يخرج صاعا واحدا يدفعه لأحد من أهل بيته وهذا يدفعه للآخر حتى تدور عليهم، وآخر من يصل عنده هذا الصاع يدفعه إلى فقير خارج البيت لأن في ذلك أثر وضعي متعلق بالبدن، لذلك قال الفقهاء بالاحتياط في مثل هذه الحالة, طبعا زكاة الفطر كسائر الزكوات الواجبة محرمة على آل رسول الله صلى الله عليه وآله, فكما أن زكاة الأموال محرمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وأهل بيته عليهم السلام فكذلك زكاة الفطرة محرمة على رسول الله صلى الله عليه وآله وذريته, ولكن ورد في الفطرة استثناء واحد وهو أنه إذا كان المخرج للفطرة من ذرية رسول الله صلى الله عليه وآله فيجوز أن يدفع فطرته إلى آل الرسول صلى الله عليه وآله ولا تكون حراماَ عليهم؛ هذا عند الغالب, وقيده بعض الفقهاء رضوان الله عليهم فيما إذا عجز الخمس عن القيام بنفقاته، وأما إذا كان الخمس لا يعجز عن القيام بنفقاته فليس له أن يأخذ هذه الزكاة؛ على أي حال فإن القول عند معظم الفقهاء هو أن فطرة السيد يجوز أن يدفعها إلى السيد, وأما فطرة غير السيد فلا يجوز أن يدفعها الى السيد, وعلى هذا بالنسبة لفتوى صاحب الحدائق فإن من تكون أمه سيدة لا يجوز للعامي أن يدفع له الفطرة لأنه عند صاحب الحدائق ممن يستحقون الخمس إلا من شخص مثله يعني ينتسب الى آل رسول الله صلى الله عليه وآله بالأب أو بالأم.
وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين.
* هذا الحديث كان جواباً على بعض الأسئلة عن الهلال وزكاة الفطرة
[1] التوبة: من الآية29
[2] التوبة: من الآية60