khutab aljumaa3

الدعوة إلى الوحدة والحث على إقامة المآتم والعزاء والمحافظة عليهما

الجمعة 25 ذو الحجة 1417هـ المصادف 2 أيار 1997م

الخطبة الأولى:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله فاطر الموجودات، مُبدع الكائنات، باسط الأرضين وسامك السماوات، الذي بدأ خلق الإنسان من سلالةٍ من طين، ثم جعله نطفةً في ذلك القرار المكين، ثم أنشأه خلقاً آخر في أحسن تقويمٍ وتمكين، وجعل له عينين وأذنين ولساناً وشفتين، وهداه النجدين، وفضله على سائر الخلق بما وهبه من ملكة العقل الرصين، وأقدره على النطق والتبيين، ودعاه لما فيه خير الدارين، والعمل على ما يُكسبه المحمدة في النشأتين.

نحمده سبحانه على عميم منِّه وإنعامه، ونشكره تعالى على مترادف فضله وإكرامه، ونلوذ بجواره من شر المضغن وفضول كلامه، ونعوذ به من شراك الشيطان ونصول سهامه، ونستعينه على دفع غائلة العدو وإفشال مرامه، ونسأله التوفيق للسير على نهج رسله والتزامه، والعمل بشرائعه وأحكامه.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، قهر الألباب على معرفته وتوحيده، وقسر الأذهان على تقديسه وتمجيده، وأنطق الألسن بمدحه وتحميده، وتحبَّب لخلقه بقديم كرمه وعميم جوده.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله الدليل إليه في الليل الأليل، والماسك من أسبابه بحبل الشرف الأطول، والثابت على زحاليفها في الزمن الأول، الخالدة رسالته على ممر الدهور والأزمان، والمفنِّد بواضح حجته تنميقات الشيطان.

صلى الله عليه وآله الذين من عمل بهديهم فقد أمن من العثار، ونجى من عذاب النار، وفاز بالجنة مع الأبرار، ورافق النبيين والشهداء والأخيار، فنعم عقبى الدار، وحسن ذلك المسكن والقرار.

عباد الله, أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله سبحانه في كل كبيرةٍ وصغيرة، وجليلةٍ وحقيرة، والالتزام بشريعته في العلن والسريرة، فلا تستصغروا الذنوب فليس في الاستهانة عما نهى الله سبحانه عنه صغيرة، عباد الله, لقد أدت بنا مخالفاتنا ومعاصينا إلى حالٍ لا نُحسد عليها، فقد انقلبت الأمور والموازين في أنظارنا، أصبح الدين عندنا هوىً متبعا، والشرع رأياً مخترعا، وصار المعروف عندنا منكراً والمنكر في فهمنا معروفا، والحق باطلاً والباطل حقا، ولم يبق من الإسلام بيننا إلا صبابةً كصبابة الإناء، ما اشتهاه الناس ورغبوه جعلوه ديناً به يتعبدون، وحقاً به يتمسكون، ومعروفاً به يُلزمون، وما ناقض أهواءهم ونابذ رغباتهم من الحق جحدوه، وحاربوا من ذكَّرهم به وخاصموه، ونسبوه لارتكاب المنكر وقاطعوه.

لقد استنصحنا أعداء ديننا، ووالينا من نهانا ربنا من التقرب منهم، وإلقاء المودة لهم، فأوضعوا خلالنا يبثون الفرقة، وينشرون الفتنة، ويمزقون الصف، ويباعدون الكلمة، حتى رفعنا شعارات البغضاء بدل المودة، والتباعد بدل الألفة، والعداوة بدل المحبة، وأصبح الأخ منا يحقد على أخيه ويوالي عدوه، والإبن منا يحارب ناصحه من أجل من يغشه ولو كان الناصح أباه، وحتى سفلت أحوالنا، وهانت على الدنيا كلمتنا.

فيا إخواننا، يا أحبابنا, يا أهلنا, التفتوا إلى ما يراد بنا، ارجعوا إلى التمسك بحبل الله الذي أمركم أن تعتصموا به حيث قال سبحانه وتعالى: ]وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا[[1], فإن ديننا دين توحيدٍ لا دين فرقة، دين تآخٍ لا دين تعادٍ وتباغض، دين تقاربٍ لا دين تباعد، فلماذا نبقى هكذا سادرين، وإلى متى ستظل أمور في تسافل بسبب تفرقنا وتشتتنا واختلاف كلمتنا، ألم يجعل الله سبحانه لنا في دينه القيم ملجأً يعصمنا من الشتات، ومقيلاً يؤوينا من الضياع، فلماذا لا نفيء إلى ظلاله الوارف، ونتجمع تحت رايته، راية لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله فنفوت الفرصة على كل مريدٍ للتفرقة ناشرٍ للبغضاء والموجدة.

عباد الله, إنكم على أعقاب عامٍ قد مضى يشكو لربه مما استحل فيه عباده من معاصيه، وما استباحوا فيه من حرمات، وما انتهكوا فيه من مقدسات، وعلى أبواب عامٍ جديدٍ من أعوام الحياة، فيه تبتلون، وتمتحنون، أتحسنون التصرف فيه وفق أحكام الله أم تسيئون، فمن أحسن فإنما يحسن لنفسه ومن أساء فعليها، هل سيعود المؤمنون فيه أخوة كما وصفهم ربهم في كتابه؟ حيث قال: ]إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ[[2], أم سيكونون كما يرغب لهم أعداء الإسلام فرقاً متناحرة، فئاتٍ متباغضة، وأحزابٍ متضاربة، ودولٍ متعادية, يعينون العدو ويحاربون الولي.

عباد الله, أصلحوا سرائركم مع الله سبحانه سواءً كنتم حكاماً أو محكومين، كبراء أم تابعين، وتوبوا إليه، واعملوا بشرائعه، واقتدوا برسله وأنبيائه يتوب عليكم ويرحمكم، ويزيل ما بكم من ضر, فإن الله سبحانه لن يغير ما بكم وأنتم على معصيته مصرون، ولأحكامه نابذون، ولوصاياه مخالفون، فإنه سبحانه يقول في كتابه: ]إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ[[3].

جعلنا الله وإياكم ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه، وهدانا معكم إلى سواء السبيل، إنه نعم المولى ونعم الكفيل.

إن خير ما خُتم به الخطاب، ووُعظ به ذوا الألباب, كلام الله المستطاب, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]إِذَا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزَالَهَا & وَأَخْرَجَتِ الْأَرْضُ أَثْقَالَهَا & وَقَالَ الْأِنْسَانُ مَا لَهَا & يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا & بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا & يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتاً لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ & فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ & وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ[[4].

وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم, والتواب الحليم.

الخطبة الثانية:

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله المتوحِّد في عظيم سلطانه، المتفرِّد بعموم جوده وإحسانه، المتفضِّل على العصاة بكرمه وامتنانه، الهادي إلى سُبل منِّه ورضوانه، الداعي إلى سلوك طرائق جنانه، الدال على ذاته ببيناته وبرهانه، فمن آياته أن جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً للعالمين، وقدرهما المنازل ليُعلم بهما عدد الحساب والسنين.

نحمده سبحانه على أن جعلنا من المسلمين، وطهر بواطننا من الشرك والرَّيْن، ونشكره جلَّ اسمه على توفيقه لتصديق رسوله الأمين، ومولاة أوليائه المعصومين، ونسأله أن يكنفنا بعفوه في الدارين، وأن يجعل لنا من رحمته كفلين، ويدخلنا الجنة مع المتقين.

ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، الأول الذي لا بدء لأوليته، الآخر الذي لا حدَّ لسرمديته، العظيم الذي بخع كل عظيمٍ لهيبته، العزيز الذي ذل كل شيءٍ من خيفته، القوي الذي خضع كل سلطانٍ لمشيئته.

ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده الذي اختاره بعلمه لرسالته، وحبيبه الذي اصطفاه لخلته، فبعثه هادياً وبشيرا، وداعياً إليه بإذنه وسراجاً منيرا، فأقام صلى الله عليه وآله دعائم الدين، وأرسى قواعد الحق واليقين، ونشر كلمة التوحيد حتى أسمعها من في الخافقين، ونقض صروح المبطلين، وأهار أركان الملحدين.

صلى الله عليه وآله ذوي المجد والكمال، والكرم والإفضال، والنبل والاعتدال، الذين استخلفهم في أمته، واستودعهم أسرار رسالته، وعهد إليهم بوصيته، صلاةً دائمةً زكية، طيبةً ناميةً ذكية.

عباد الله, أوصيكم ونفسي الجانية قبلكم بتقوى الله سبحانه في جميع الأحوال، والعمل بأحكامه تعالى وإن كلب بكم الدهر الغدار، وأحذركم ونفسي أولاً من السير على سنن الأشرار، واتباع أساليب الفجرة والكفار، واقتراف ما يؤدي بفاعله إلى النار.

عباد الله, هذا شهر الله المحرم قد أقبل عليكم، وهو شهرٌ قد حرمه الله سبحانه كالشهر الذي أنتم فيه، فاستقبلوه بالتوبة النصوح والرجوع إلى الله سبحانه، بعمل الخيرات، وفعل المبرات، والمحافظة على ما فيه من الشعائر، خاصةً إقامة المآتم الحسينية التي هي من أهم السُنن النبوية، وأكمل مظاهر الولاء للعترة المصطفوية، ففي هذا الشهر العظيم استحلت دماءهم الزمرة الأموية، وأظهرت لهم فيه الأحقاد البدرية، ونادت بالثارات الجاهلية، حتى جعلتهم يعيشون مدى الدهور والأزمان في حزنٍ دائمٍ من عظم الرزية.

فينبغي على الشيعة الكرام أن لا يشغلهم أي شاغلٍ عن إقامة المأتم على أبي عبد الله الحسين عليه السلام، وأن يواظبوا على حضور المآتم والتعازي التي تقام له، وأن ينزهوا المنبر الحسيني مما لا يليق به من أمورٍ لم يؤسس من أجلها، أو مما من شأنه أن يعطي المبرر لضرب المآتم وإغلاقها، أو منع المواكب والتضييق عليها، فإن أناساً لا علاقة لهم بالحسين ولا بأهل البيت الكرام عليهم السلام يسعون لمثل ذلك حتى يجعلوا من إغلاق المآتم والمواكب قميص عثمانٍ يرفعونه لكسب قضيتهم، غير مبالين بما سيخسره الشيعة من الحرية في إقامة شعائرهم، فالرجاء من الإخوة المؤمنين أن لا يمكِّنوا هؤلاء من الوصول إلى هدفهم، وليعتبروا بما حصل للشيعة في العراق, فإن أهل العراق أقوى من أهل البحرين من جميع النواحي، بلادهم أوسع, وهم أكثر عدداً ونفيرا, والعلماء عندهم أوسع علماً وأكثر ضبطاً, وجميع الأمور المادية والمعنوية من حيث القوة لا يمكن أن يقارن فيها بين شيعة البحرين وشيعة العراق, انظروا ماذا حدث في العراق عندما تساهلوا مع من أخذوا يستغلون المآتم والمواكب من أجل قضايا سياسيةٍ خاصة, اغلقت المآتم, مُنعت المواكب, وأصبحت العراق وهي مهد التشيع وبلاد أهل البيت تقام فيها التعزية سرا, فإن لم تصروا على قضيتكم, إن لم تدافعوا عن حريتكم الدينية بأن لا تعطوا المببر بإغلاق وضربها وإتلافها وإلا فالمستقبل الذي ينتظركم ليس بخيرٍ من مستقبل العراق.

عباد الله, توجهوا إلى الله سبحانه وأنتم تستقبلون هذا العام الجديد بأن يكشف عنكم ما نزل بكم، ويزيل ما أصابكم من السوء بفضله ومنِّه، وأن يوحد على هداه صفوفكم، ويجمع تحت راية أهل البيت كلمتكم، خاصةً وأنكم في يومٍ هو عند الله من أفضل الأيام، فيه تستجاب الدعوة، وفيه تقبل التوبة، وفيه تمحى السيئة والحوبة، سيما إذا تقدم الدعاء بالتوسل والصلاة على سيد الأنبياء وخاتم المرسلين، محمدٍ وأهل بيته الأكرمين.

اللهم صلِّ على من تشرَّف بوطي نعله بساط الربوبية، واخترق نور الحجب حتى أشرقت عليه النفحات اللاهوتية، ودنا من حضرة القدس مقاماً يرفعه عن حضيض الناسوتية، النبي العربي المؤيَّد, والرسول الهاشمي المسدَّد, أبي القاسم المصطفى محمد.

اللهم صلِّ على حلال عويصات المشاكل، ومن ليس له بعد الرسول مشاكلٌ ولا مماثل، منكس الفرسان في سوح الطعان، ومردي الأقران إذا التقت حلقتا البطان، النجم الثاقب من دوحة لوي بن غالب، الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.

اللهم صلِّ على البتول العذراء، والدرة النوراء، والإنسية الحوراء، أم الحسنين فاطمة الزهراء.

اللهم صلِّ على سيدي الحرمين، وبدري الخافقين، وقطبي الثقلين، صاحب الأيادي والمنن الإمام بالنص أبي محمدٍ الحسن، وأخيه صاحب المحن والبلاء المقتول ظلماً بأرض كربلاء, تريب الخدين, ودامي الودجين, الإمام بالنص أبي عبد الله الشهيد الحسين.

اللهم صلِّ على سيد الساجدين, ومنهاج المتقربين، ومصباح المتعبدين، والد الهداة الراشدين، الإمام بالنص علي بن الحسين زين العابدين.

اللهم صلِّ على الغيث الهامر بالعلا والمفاخر، والبحر الزاخر بنفائس الجواهر، والكنز الذاخر بالمكارم والمآثر، الإمام بالنص أبي جعفرٍ الأول محمد بن عليٍ الباقر.

اللهم صلِّ على الفجر الصادق في ديجور الجهل الغاسق، غوَّاص بحار الحقائق، ومنظِّم دوائر الدقائق، الإمام بالنص أبي عبد الله جعفر بن محمدٍ الصادق.

اللهم صلِّ على بدر سماء المكارم، وعنوان ديوان الأعاظم، العالم بما حوته العوالم، الإمام بالنص أبي إبراهيم موسى بن جعفرٍ الكاظم.

اللهم صلِّ على منوِّر الأقطار والفضاء، بما شع من نوره وأضاء، شفيع يوم الفصل والقضاء، الإمام بالنص أبي الحسن الثاني علي بن موسى الرضا.

اللهم صلِّ على ناشر سفري الهداية والسداد، ورافع راية الحق والرشاد، وملجأ العباد يوم التناد، الإمام بالنص أبي جعفرٍ الثاني محمد بن عليٍ الجواد.

اللهم صلِّ علي السيدين الأعظمين، والهمامين المعظمين، إمامي الحرمين, المبرئين من وصمة الرجس والرَيْن, الإمامين بالنص أبي الحسن الثالث عليٍ وابنه أبي محمدٍ الحسن العسكريين.

اللهم صلِّ على حافظ بيضة الإسلام، حامي حوزة الأنام، المؤيَّد بالتوفيق والظفر, الإمام بالنص مولانا أبي القاسم المهدي بن الحسن المنتظر.

نوَّر الله الأرض بطلعته، وأسعدنا برؤيته، والدخول في حياطة دعوته، والشهادة تحت رايته، إنه سميعٌ مجيب.

إن أشرف ما تلاه التالون، وأعظم ما تمسك به المهتدون, كلام من يقول للشيء كن فيكون, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[5].

وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه هو الغفور الرحيم.

[1]  سورة آل عمران: من الآية103

[2]  سورة الحجر:ات: من الآية10

[3]  سورة الرعد: من الآية11

[4]  سورة الزلزلة

[5]  سورة النحل:90

معلومات إضافية

  • التاريخ الهجري: 25 ذو الحجة 1417هـ
قراءة 777 مرات
قيم الموضوع
(0 أصوات)

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.