التوكل
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.
الكلام في التوكل، قال سبحانه وتعالى: ]وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ[[1]، وقال سبحانه وتعالى: ]وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُه[[2]، وقال سبحانه وتعالى: ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[[3].
والتوكل درجة من الدرجات العالية لأصحاب اليقين، ومنزلة رفيعة من منازل الدين، لكنه غامض في العلم صعب في العمل.
أما غموضه في العلم فمن حيث إن حقيقة التوكل هو قطع النظر عن الأسباب؛ أي قطع الاعتماد على الأسباب، بحيث يتيقن وتطمئن نفسه أن كل هذه الأسباب ما ظهر منها وما خفي، وسواء كانت من الأسباب القريبة أو الأسباب البعيدة في حقيقتها ليست مُعطية للمطلوب، وإنما السبب الحقيقي والمؤثر هو الله سبحانه وتعالى.
ومن جهة ثانية أن الأوامر الشرعية والسنن الإلهية ورد فيها التكليف باتباع هذه الأسباب، ومن ذلك قول الإمام الصادق عليه السلام: "أبى الله أن يجري الأشياء إلا بأسبابها". ونحن نلاحظ أن المولى سبحانه وتعالى كلف الناس بالسعي في طلب رزقهم وحوائجهم، وحضهم على الذهاب والمجيء في شؤونهم، وأمرهم بالصلاة والصيام والزكاة والحج في عباداتهم، وهذه كلها أسباب.
فإذاً يحصل ربما عند العلم تضاد أو تناقض بين الأوامر الإلهية وبين حقيقة معنى التوكل، فإذا كان معنى التوكل هو عدم الاعتداد بالأسباب وعدم الالتفات إليها، بينما الأوامر الشرعية كلها تقتضي العمل بهذه الأسباب والالتفات إليها، فكيف يمكن تحصيل العلم والإدراك بحقيقة التوكل؟ فلذلك صار صعباً أو غامضاً في العلم.
وأما صعوبته من جهة العمل فلأنه يعتمد على ركنين أساسيين هما اليقين والشجاعة.
فاليقين بدون شجاعةٍ لا يثمر توكلاً؛ يعني مجرد اليقين ومجرد الإيمان لا يثمر توكلاً، ومن أجل ذلك نجد أن المؤمن وهو ذو يقين وهو متيقن قد لا يكون متوكلاً تمام التوكل على الله سبحانه وتعالى، بينما نجد من ليس مؤمناً مطمئناً لصحة ما هو فيه، فاليهودي والنصراني مطمئنة نفسه تماماً إلى صحة ما هو فيه، بينما المؤمن قد لا تطمئن نفسه فيحتاج إلى ملاحظة بعض الأشياء كما روى سبحانه وتعالى عن خليله إبراهيم: ]قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي[[4].
فالتوكل في حقيقته هو اليقين والاطمئنان، وهذا يحتاج إلى الإيمان والشجاعة، والمؤمن قد يكون متيقناً ولكن نفسه غير مطمئنة. مثال ذلك من يرفض المبيت مع ميتٍ في فراشٍ واحد أو قبر واحد، أي تنفر نفسه لا على أساس يرفض بحيث لا يرضى، وإنما لو بات في فراش واحد مع ميت أو في قبر واحد مع ميت لنفرت نفسه، لنفر قلبه من ذلك, ولاعتراه خوفٌ شديد، والحال أنه قد ينام مع حجر في فراش واحد أو مع أي شيء في فراش واحد أو قبر واحد فلا تنفر نفسه، السبب في ذلك ليس هو عدم وجود اليقين عنده بأنه لا فرق بين الميت وهذا الحجر في إمكان حصول الأذى، ولكن لنفور النفس، ونفور النفس هنا معناه عدم الاطمئنان إلى هذا العلم وإلى هذا اليقين الذي عنده، فهو لذلك السبب في هذا إنما هو الجُبن، وهو الخوف، فالتوكل يحتاج - بالإضافة إلى الإيمان المرتكز على اليقين - يحتاج إلى اطمئنان، وهذا الاطمئنان لا يأتي إلا عن طريق الشجاعة، ومالم تقترن الشجاعة باليقين لا يثمر توكلاً عند النفس، ومن أجل ذلك فقد يقع المؤمن في الاعتماد على الأسباب ، كأن يظن أن الصلاة هي التي تدخله الجنة أو أن الصوم في الحقيقة هو الذي يدخله الجنة أو أن ما ما يعمله من أعمال هي في الحقيقة التي توصله إلى الجنة، أو ذهابه إلى العمل في هذا الدكان هو الذي يدر عليه الرزق، وعمله في هذه الشركة هو السبب الموصل إليه الرزق، ولذلك تجده يتعلل في ما لو دار الأمر بين طاعة الله سبحانه وعدم ارتكاب المعصية وبين بقائه في العمل في هذا المكان يتعلل بأنه مصدر الرزق، ولا شك أن في ذلك منافاة لمعنى التوكل لأن فيه اعتماد على الأسباب، وهذا في الحقيقة ليس قدحاً في إيمان هذا الشخص، ولكن لم يحصل عنده الاطمئنان التام للوثوق بالله سبحانه وتعالى وذلك للخوف من الفقر. فإذن هو فقد الشجاعة، فلما فقد الشجاعة فقد الاطمئنان ولما كان التوكل يعتمد على هذين الركنين وهما اليقين والاطمئنان فإنه يكون قد فقد التوكل في هذا المقام.
فحقيقة التوكل في الحقيقة إنما هي الوثوق بالله سبحانه وتعالى، والعلم بأن مشيئة الله وأن علم الله وأن قدرة الله هي المؤثرة في جلب المنافع ودفع المضار، وليست هذه الأسباب، ثم توطين النفس عن شجاعة في عدم الاعتداد والاعتماد على هذه الأسباب، هذه حقيقة التوكل، فمن أجل ذلك قلنا أيضاً هو صعب في العمل، كما أنه غامض في العلم، والغريب أن بعض العلماء ذهبوا إلى أن الاعتماد على الأسباب الخفية لا ينافي التوكل، وإنما الذي ينافي التوكل هو الاعتماد على الأسباب الجلية الظاهرة.
وأما الاعتماد على الأسباب الخفية، فلا ينافي التوكل، وضرب لذلك مثلاً بأن من يروض نفسه على الجوع والعطش، الأسبوع أو ما يقرب من الأسبوع ويريض نفسه على أكل الحشائش وأمثال ذلك ويخرج إلى الصحارى والمهامه البعيدة اعتمادًا على ذلك, فمثل هذا لا يقال إن اعتماده على ذلك ينافي التوكل, والحقيقة هذا وهم, لأنه بعد إراضته نفسه وعلمه بأنه يتمكن من تحمل الجوع والعطش الأسبوع وما يقاربه صارت الأسباب بالنسبة إليه جليّة, وكذلك إذا كان اعتماده على قدرته في تحمل الجوع والعطش أو قدرته على الاكتفاء بالحشائش فهذا أيضاً منافٍ للتوكل, فكما أن الاعتماد مثلاً على العمل أو الكسب الفلاني أو الصلاة أو غير ذلك هي التي توصله مثلاً إلى الجنة أو إلى المال ينافي التوكل فكذلك في هذه الحالة لا فرق في الأسباب بين خفيها وجليها وبين قريبها وبين بعيدها.
القضية أن التوكل هو عدم الاعتداد بالأسباب, وعدم الاعتماد على الأسباب, بل الوثوق في مسبب هذه الأسباب, والاطمئنان, فليس يكفي أنك تثق بسبب إيمانك العميق وإنما تطمئن نفسك إلى ذلك, يقول الإمام الكاظم عليه السلام: "إن التوكل درجات, منها أن تفوض أمرك إلى الله مطمئناً إلى أنه لا يألوك خيراً وأنه أكرم وأبرّ, وأنه أرحم, وأن ما أصابك فمن الصالح أن يقع ذلك", طبعاً هذه هي الدرجة العليا التي ذكرها الإمام عليه السلام, هذه هي الدرجة العليا من التوكل بأن يفوّض الإنسان أمره إلى الله بحيث يكون راضياً, ويرى أن حكمة الله سبحانه وتعالى هي التي تدبر له المصلحة وتدفع عنه المضرات في كل شيء.
على أي حال إن معنى التوكل في حقيقته ليس إلا قطع الاعتماد على الأسباب, سواء كانت هذه الأسباب من العبادات في المقام الديني والأخروي, أو من الأمور الأخرى في النواحي الدنيوية, ولكن ليس معنى ذلك ترك العمل بهذه الأسباب, يعني أن التوكل لا يعني أن الإنسان يجلس عن السعي في شؤونه ومصالحه, اعتماداً على أن الله سبحانه وتعالى يرزقه بيده، بيد قدرته, وأن الله سبحانه وتعالى يشافيه بقدرته, هذا أيضاً غير مراد للشرع, بل هو خلاف الشرع, فإن الله سبحانه وتعالى أمر الناس بالسعي في طلب معيشتهم, وأمر المرضى بالتداوي بهذه الأدوية, ولذلك فليس معنى التوكل عدم إعمال الأسباب, وإنما التوكل عدم الاعتماد على الأسباب, وفرق بيّن بين عدم الاعتداد بالأسباب وبين عدم إعمال الأسباب, ولا فرق في ذلك, نعم بعض العلماء يفصّل أن الأسباب بعضها مما يعتدّ به العقلاء, وبعضها مما لا يعتدّ به العقلاء, وبعضها مما يراه العقلاء موصلاً إلى المطلوب على نحو القطع, ومنها ما هو موصل إلى المطلوب على نحو الظن, ومنها ما هو محتمل بعيد الوقوع, فيقولون إن إعمال الأسباب إذا كان معتدًّا بها عند العقلاء سواء كانت موصلة للمطلوب على نحو قطعي أو على نحو ظني, فهذا لا ينافي التوكل, وذلك مثل أن يذهب الإنسان للتداوي بدواء ما, أو للعمل في مكان ما, فهذا إذا اتفق مع صاحب العمل يكون الدخل من هذا السبب مقطوع به، وإن كان ربما يطرد من العمل ولا يعطيه صاحب العمل ما بقي من أجر وغير ذلك، ولكن في نظر العقلاء يكون شبه مقطوع به, والذي يكون مظنوناً به محتملاً احتمالاً قوياً مثل التاجر الذي يشتري بضاعة برجاء بيعها وتحصيل الربح من ورائها, وربما كسدت هذه البضاعة ولم يبعها، وأما لو استعمل الأسباب التي هي غير معتد بها عند العقلاء فلو عمل رقية، يعني يتداوى بأن يعمل لنفسه رقية أو يستعيش بأن يعمل لنفسه رقية يحصل من ورائها كل يوم دينارا تحت فراشه، عمل مثل هذه الأعمال يقول بعض العلماء إن هذا إعمالها منافٍ للتوكل، حتى لو لم يكن معتداً بها يكون منافياً للتوكل؛ هكذا قال بعض العلماء، لكنني لم أستطع التفرقة في النظر بين إعمالها وإعمال غيرها إذا كان لا يُعْتَد بها، وأما إذا كان على نحو الاعتداد، فحتى الأسباب المعتبرة عند العقلاء على نحو الاعتداد تكون منافية للتوكل، وعلى أي حال فإن عدم إعمال الأسباب يكون فيه إثم ويكون منهياً عنه شرعاً، لكن الاعتداد بها أيضاً منافٍ للتوكل، لأن الله سبحانه وتعالى اقتضت حكمته واقتضت مشيئته واقتضت إرادته ألا تجري الأمور إلا بأسبابها، فقد ورد في بعض الروايات عن أحد الزهاد قال: لأهجرن العباد والبلاد، ولآوينّ إلى الوهاد والجبال ولن أفارق ذلك حتى يرزقني الله بيده، فذهب إلى سفح جبل فبقي ما يقرب من الأسبوع فأشرف على الهلاك من الجوع، فأوحى الله إليه بمعنى نفث في روعه: إنني لا أرزقك حتى تنزل وتدخل مصرًا، فنزل ودخل بلده، فهذا جاء بطعام وهذا جاء بشراب فأكل وشرب، فأوجس من ذلك خيفة في نفسه، فأوحى الله إليه: أردت بزهدك الدنيا أن تنفي حكمتي وإن رزق عبدي بيد عبادي لأحب إلي من رزقه بيد قدرتي.
وفي بعض روايات الإسرائيليات أن موسى عليه السلام مرض، فجاء له بنو إسرائيل فوصفوا له بعض الأدوية التي يتداوون بها، فقال: لا أتداوى إلا أن يشفيني الله سبحانه وتعالى بيد قدرته، فبقي أياماً بمرضه، ثم أوحى الله إليه: يا موسى لن أشفيك حتى تذهب إليهم ليداووك بأدويتهم، فذهب إليهم وقال داووني بما شئتم، فعملوا له الدواء الذي وصفوه وسقوه إياه فبرئ، فأوجس من ذلك خيفة، فأوحى الله إليه: يا موسى أردت أن أخالف حكمتي التي أجريتها في عبادي، لا، لا بد لك من التداوي بما يتداوون.
فإذاً هذه الأسباب مأمور بإعمالها شرعاً، ولكن المنهي عنه هو الاعتداد بها، والاعتماد عليها، كما بينا ذلك في محاضرات سابقة إن الاعتقاد بأن العمل هو المنجي، هذا الاعتقاد مهلك، بل عليه وأن يعتقد أن المنجي من عذاب يوم القيامة هو رحمة الله وهو فضل الله، وليس هو صلاته أو صيامه أو حجه أو صدقته أو بره أو غير ذلك وإن كان مما أمر الله سبحانه وتعالى به عباده أن يتقربوا إليه هو بهذه العبادات، وكذلك في طلب الأرزاق، عبادةٌ أمر الله عباده أن يتقربوا إليه بها، لكن عليهم أن لا يعتقدوا بأنها هي السبب في الرزق، بل الرزاق هو الله سبحانه وتعالى، وربما يعتمد الإنسان على سبب وإذا به يشاء الله سبحانه وتعالى أن ينقطع، فينقطع؛ لأن الأسباب بيده، وأمور الدنيا والسماوات والأرض كلها مسخرة بأمره، وهو الذي يرزق عباده من حيث يحتسبون ومن حيث لا يحتسبون، وهو الذي يجعل الرزق لعبده، وعبده لا يعلم أين يكون رزقه، ولا شك أن الإنسان قد يطلب رزقه في موضع قريب ولكن رزقه موجود في بلد آخر لا يحصل عليه حتى يصل إلى ذلك البلد، فالإنسان لا يعلم أن رزقه في أي سبب وضع، وفي أي مكان يحصل، وكذلك دواؤه لا يعلم به على يد أي طبيب شفاؤه يحصل ولا بأي دواء يحصل، وكل أمر يؤمله في هذه الدنيا فسيجد العبد أن له أسبابا كثيرة متعددة، كل سبب منها في احتمال إيصاله إلى المطلوب يتساوى مع الآخر، فهو لا يدري من أي سبب سوف يوصل الله إليه مطلوبه، ومعنى ذلك أن السبب بمفرده في الحقيقة ليس علة، وليس فاعلاً للمطلوب، وأن السبب في حد ذاته مسبب عن غيره، مُسَبَّب من مُسَبِّب الأسباب سبحانه وتعالى، فينبغي أن يكون الاعتماد عليه والرجاء إليه والتفويض إليه، وعندئذ لا يكون إعمال هذه الأسباب منافياً للتوكل على الله سبحانه وتعالى.
فحقيقة التوكل إذن ليس معناها ترك التكسب والتداوي وغير ذلك والسعي في حوائج الإنسان، بل إن السعي – سعي الإنسان في حوائجه – في الحقيقة هو طلب من الله، دعاء إلى الله، لأن الدعاء عبادة وهذه العبادة كسائر العبادات تعتمد على ثلاث جهات:
أولا: الجهة القلبية. وهي الاعتقاد في الجنان.
والجهة الثانية: القول باللسان.
والجهة الثالثة: العبادة التي تكون بالجسم أي العبادة بالأركان.
فما لم يكن الدعاء عمليا، ومالم يقترن الدعاء القولي بالدعاء العملي لا يكون الدعاء القولي في حد ذاته عبادة كافية، بل إن الأنسان عليه أن يدعو ربه مخلصاً له قلبه، طالباً منه بلسانه القولي، وأيضاً يجعل سيره وسلوكه يجعل تحركه لسانَ حالٍ عند الله سبحانه وتعالى في الطلب، فإن من يذهب لطلب الرزق كأنما لسان حاله يقول يا ربي ارزقني، بهذا المعنى لا يكون طلب الرزق منافياً للتوكل على الله سبحانه وتعالى، وإذا كان هكذا حاله عندئذ يجمل الطلب، ولا يلج بالطلب كله، لأنه يتيقن أنه كما يقول النبي صلى الله عليه وآله: "لا تموت نفس حتى تستكمل لذتها".
فإذاً ما قدره الله له فسوف يأتيه من دون حاجة إلى إنهاء كل أوقاته وإجهاده نفسه في طلب هذا الشيء، بل إن كان الله قد قدر له فسوف يحصل عليه، وإن لم يقدره الله له فإنه لن يحصله، وكما قلنا في الأسبوع الماضي فإنه كما أن اليقين حقيقته أن لا يتهم عباد الله فيما لم يقدره الله له، فالتوكل هنا أن لا يعتمد على ما في أيدي عباد الله بل يعتمد على ما في يد الله، وليثق أن ما في يد الله أقرب إليه مما في يده، ليس أقرب إلى الإنسان من تناول اللقمة من الإناء ووضعها في الفم لازدرادها، ليس أقرب من ذلك، ومع ذلك فإن الرزق الموجود عند الله سبحانه وتعالى وصوله إليه أقرب من وصول هذه اللقمة التي في يده إلى فمه، بهذا ينبغي أن يكون وثوقه بالله سبحانه وتعالى، إلى هذه الدرجة حتى ينال منزلة المحبة فإن الله سبحانه وتعالى وصف المتوكلين فقال: ]إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ[[5].
ولا شك أن المحبوب لا يعذب ولا يطرد ولا يهان، فإذا أحب الله العبد لن يعذبه، وإذا أحب الله العبد لن يطرده، وإن الله سبحانه وتعالى قد جاء بسؤال في الحقيقة استنكاري على الناس في أنهم لا يثقون فيما عنده ]أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ[[6]، فمن استكفى الله كفاه، وفي الحديث القدسي ما معناه أن من أمّلني وتوكل علي لو كادته السماوات والأرض لجعلت له المخرج من بينهما، ومن أمل غيري واعتمد على غيري منعت عنه السماء وأسخت من تحته الأرض.
فإذن الاعتماد على الله سبحانه وتعالى والتوكل على الله سبحانه وتعالى هو حقيقة الإيمان، وإن كان كما ذكرنا غامضاً في العلم صعباً في العمل.
وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
سؤال: التوكل يحتاج لليقين والشجاعة، ما نوع الشجاعة؟
جواب: الشجاعة أي لا يخاف، تجد أن الناس دائماً يحصل عندهم الخوف، خوف الفقر مثلاً أو خوف الضرر مثلاً أو خوف فوت المصلحة، فتجده يعتمد على هذه الأسباب معتقداً أنه إذا لم يفعل ذلك يخسر رزقه، هذا خوف، وليس بالضرورة نقص في الإيمان؛ لأن المؤمن إيمانه كامل والحمد لله، ولكن الخوف الذي يباشر قلبه يجعله غير مطمئن إلى كلام الله سبحانه وتعالى وإلى وعد الله، فتجده يعتمد على السبب، اعتماده على السبب لماذا؟ لأنه خاف أن تفوته المصلحة، أو لأنه خاف أن تلحقه المضرة، معنى ذلك أنه لم يكن شجاعاً، لأن الخوف إنما يكون عند الجبن، لا يكون عند الشجاعة، فالشجاع لا يخاف.
سؤال:................................
جواب: إذا اقترن اليقين والشجاعة حصل الاطمئنان.
[1] المائدة: من الآية23
[2] الطلاق: من الآية3
[3] آل عمران: من الآية159
[4] البقرة: من الآية260
[5] آل عمران: من الآية159
[6] الزمر: من الآية36
