almuhadhrat

إصلاح ذات البين

 

بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين والصلاة السلام على سيدنا ونبينا محمد واله الطيبين الطاهرين، قال الله سبحانه وتعالى: ]وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[[1]، والإصلاح بين الناس أي السعى لرفع الخلاف الذي يقع بين المؤمنين بعضهم مع بعض وحل التنازع بينهم هو من أفضل ما يتقرب به الإنسان إليه سبحانه وتعالى، ولا إشكال أن البشر مهما سمت ومهما اتسعت مداركهم العقلية ومهما ارتقوا في سلم الخلق  فإن أسباب الاختلاف بينهم وأسباب المشاجرة بينهم لا تنتهى، وإذا كان البسطاء يتشاجرون على أمر ربما كان جد بسيط فإن بعض أصحاب الدرجات الراقية سواء في المال أو في العلم أو في الدين أو في السلم الاجتماعي تكون الأسباب التي تسبب الاختلاف والتباعد بينهم أكثر تعقيدا، والخلاف يحصل بسبب وجود عدم التلاؤم بين ما تقتضيه ذات هذا الشخص وما تقتضيه ذات الشخص الثاني، وتبدأ مشكلة الاختلاف بين الناس وهم أطفال؛ فتجد طفلين يختصمان ويصطرعان ويختلفان على لعبة من اللعب، وتتطور الأمور بهما فيختلفان في ملكية دفتر أو قلم، أو في الاختصاص بهذا الفراش أو ذلك الكرسي، وبتطور الحياة تتطور أسباب الخلاف حتى تصل إلى أصحاب الفكر ورجال العلم، ويقع الاختلاف بينهم لا على شيء من حطام الدنيا ولا على شيء من مراتب الآخرة، أما أنه ليس على شي من حطام الدنيا لأن كل واحد منهما يؤمن أن زيدا لا يتمكن أن يؤثر عليه اجتماعيا أو يسلب منه رزقا أو يحتل عنه مركزا، وإنما سبب الاختلاف هو أنه لا يوافقه في ما يذهب إليه من فكر ولا يتفق معه فيما يعتقد به من قول، وبطبيعة الحال الثواب الأخروي لا يصطرعان عليه لأنه مكفول لكل من أخلص لله سبحانه وتعالى في طاعته، هذا نوع الخلاف، ويحصل الخلاف أحيانا بين الأخ وأخيه على شي من حطام الدنيا، وبين أصحاب الحرف على منافسة في معاملة ما، كل شريحة من شرائح المجتمع أفرادها في البداية يتنافسون، وهذا التنافس يؤدي إلى الاختلاف، والاختلاف قد لا يكون ضاراً بل قد يكون رحمة، ما رأيك لو اختلف دعاة الباطل وأهل الباطل ألا تكون رحمة بالناس أن يختلفوا؟ بل تكون رحمة بالناس أن يمتشقوا السيوف ويضرب بعضهم بعضا، فإذن هذا النوع من الاختلاف فيه رحمة، وكذلك لو اختلف الفسقة وتركوا مجلس اجتماعهم واندمج كل منهم في فئة تلائمه من فئات المؤمنين، هذا الاختلاف يكون رحمة لأنه أنقذهم من مجلس السوء، ولكن أن يقع الخلاف مثلا  بين أخ وأخيه، أو بين زوج وزوجته، أو بين أب وابنه، فهذا طبعا خلاف مضر، فلا بد إذن أن يتصدى الشارع المقدس بدفع الخارجين والمحايدين في هذا الخلاف إلى التوجه بإصلاح ذات البين، ولذلك  قال سبحانه وتعالى: ]وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ[[2]، وإصلاح ذات البين يكون بالوسائل المشروعة ولا يكون بالوسائل المحرمة، وأحيانا يجوز فيه بعض المخالفات الشرعية إذا كانت هذه المخالفة الشرعية مسموحاً بها في هذا المقام، كما لو تنازع أخوان فذهب شخص ثالث إلى أحدهما وقال له كنت اليوم عند أخيك فلان وقد مدحك وقال كذا وكذا وكذا وكذا،  وجاء له بمدح، طبعا كذب هنا، بل ربما كان هذا الرجل لو ذكر له أخوه ربما يلعنه ولا يمدحه، لكن هذا الشخص اختلق كلاما من عنده ونقله إلى ذلك الأخ؛ بقصد إزالة ما في نفسه من الحدة حتى يتكمن من التقريب بينهما، الكذب حرام في الشريعة المقدسة، ولكن في هذا المورد هذا الكذب مباح، بل يترتب عليه لهذا الكاذب ثواب، فالرواية عن النبي صلى الله عليه وآله: "لا كذب على مصلح"[3]، وعن الباقر أو الصادق عليهما السلام: "إن الكلام ثلاثة: صدق وكذب وإصلاح، فالصدق هو أن تنقل الشيء كما وقع، والكذب هو الإخبار بخلاف الواقع، والإصلاح هو الكلام من أجل التقريب بين المؤمنَين المختلفين، سواء كان مطابقاً للواقع أو مخالفا للواقع"، وفي الرواية عن أحدهما عليهما السلام: "إن الله أحب الكذب في الإصلاح، وأبغض الصدق في الإفساد"، لأنه  لو جلست إلى أحد المختلفين فنال من ذلك الشخص، وذهبت ونقلت إليه ما قال ذلك  الشخص، تكون قد نقلت شيئا قد وقع وتكون صادقا، لكن الشارع المقدس يطلق على هذا الناقل اسم النمام، وهو الذي ينقل كلمات السوء التي يسمعها من شخص لآخر، ويقول الله سبحانه وتعالى في وصف هذا الإنسان: ]هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ &مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ& عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ[[4]، ولذلك يقول الإمام عليه السلام: "إن الله أبغض الصدق في الإفساد"، وما وجدنا الله سبحانه وتعالى في القرآن شتم مرتكبا لإحدى الكبائر، بمثل ما شتم النمام، هماز يعني يهمز العداوة بين الناس، مشاء بنميم ينقل إليهم كلمات السوء، مناع للخير لأنه بهذا النقل يكون قد سد باب التقارب والتآلف والتحابب بين المؤمنين، معتد أثيم يعني أنه بهذا النقل قد اعتدى على المؤمنين وأفسد ذات بينهم، وأوجر نار العداوة في صفوفهم، ثم تأتي بقية الشتمات، فلا توجد كبيرة ورد فيها شتم في القرآن كالصدق في إصلاح ذات البين، وهذا بخلاف الكذب في إصلاح ذات البين، فعلى الرغم من أن الكذب قبيح،  وعلى الرغم من أن الكذب في معظم أفراده ومعظم مصداقاته حرام، لكنه في مثل هذا المقام يكون من الأمور السائغة، بل يترتب على ذلك ثواب؛ لأن التآلف والتحابب بين المؤمنين غرض أسمى في الشريعة الإسلامية، يقول الله سبحانه وتعالى: ]لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ[[5]، وإذا كانت الجماعة غير متآلفة، وغير متعارفة، لا يمكنها أن تتعاون، ولا يمكنها أن تتساند، فإذاً تكون مهمة الإصلاح أو مهمة إصلاح ذات البين من المهمات المقدسة في الشريعة، بل في بعض الروايات أن زرارة بن أعين رحمه الله، ذهب ليصلح بين تاجرين كبيرين من تجار الشيعة في الكوفة، وتعسر الإصلاح بينهما إلا أن يدفع فلان كذا ألف دينار، إذا كان يلزم أن يدفع هذه الآلاف من الدنانير فهو لا يريد أن يصطلح مع صاحبه، فتعهد زرارة  بدفع المال إذا اصطلحا، وفعلا أنفذ المال إلى التاجر الثاني وأصلح بينهما، فلما اصطلحا واعتنقا قال لهما أتدريان من أين جئت لكما بهذا المال؟ قالا: لا، قال: هذا من مال إمامكما عليه السلام، وقد أمرني أن أبذل ماله في الصلح بين شيعته، إذا توقف صلحهما على بذل ماله في ذلك، ولذلك بذلت لك المال الذي اصررت أن لا تصطلح مع أخيك إلا به، طبعا لما سمع ذلك التاجر أرجع المال وبقي على الصلح، لأن أي جماعة لا تكون متآلفة القلوب متعارفة بل تكون على العكس، متناكرة مختلفة مثل هذه الجماعة، لا يمكنها أن تصمد في الهزائز، ولا يتعاون أفرادها في الشدائد، ولا تتكافل فيما بينها عند الحاجة، وبطبيعة الحال لا تستقيم أي جماعة بدون التكافل وبدون التعاون، والاختلاف والتشاجر يمنع من تحقيق هذا الغرض، ولذلك لابد للشارع أن يهتم بقضية التأليف وإزالة التناكر بين أفراد المجتمع، بل حتى في مقام القضاء، وعلى الرغم من أن القاضي مهمته إزالة الخلاف بالحكم، هذه مهمة القضاء طبعا، لكن إزالة الخلاف بالحكم، مثل العملية التي فيها قطع يد أو رجل أو بقر بطن أو قلع عين، ويزيل الخلاف، لكن لا يرفع ما في القلوب، القاضي مهمته دائما حدية كالسيف، يحكم بأن هذا البيت لزيد وليس لعمرو، فيخرج زيد فرحان جذلا ويخرج عمرو شاتما لاعنا لذلك القاضي، على أي حال، على الرغم من أن هذه هي مهمة القاضي، إلا أن الله سبحانه وتعالى أحب للقاضي أن يعرض الصلح على المتنازعين قبل المضي في سماع الدعوى، وأنه إذا أمكنه أن يقرب وجهة نظري الطرفين وأن يصلح ذات بينهما، طبعا يكون خيراً له من الحكم في الدعوى، ولذلك نجد أنه في حالة كون الخلاف بين الزوج والزوجة مثلا وعادة الخلاف الذي يكون بين الزوج والزوجة يكون غامضا، لا تظهر فيه الحقيقة، لا الزوج يخبرك بالحقيقة التي من أجلها يتشاجر مع زوجته، ولا الزوجة تخبرك بالحقيقة التي من أجلها تتشاجر مع زوجها، ولا يوجد شهود لما يجري بين الزوج والزوجة في غرفة النوم، وعندئذ تدق المسألة، في هذه الحالة لا يتوصل القاضي إلى حق في هذه المسألة، إذن من الذي يصدق ؟ لا الزوج يصدق ولا الزوجة تصدق، يصل إلى الصدق، مع ذلك حتى في هذه الحالة أحب الله للقاضي أنه قبل النظر في قضية الزوج والزوجة والبدء في دعواهما ان يصلح بينهما، وأنه إذا أعيته المذاهب في الصلح، إذا تمكن أن يبعث حكمين، حكما من أهلها وحكما من أهله، أن يختار شخصا عاقلا خيرا متدينا من طرف الزوجة، وشخصا عاقلا دينا من طرف الزوج، حتى يختلي كل حَكَمٍ بطرفه ويسأله عن حقيقة ما وقع، ثم يجتمع الطرفان وينظران في الأمر ويقرران إن كان الصلاح في بقاء حالة الزوجية أو يكون الصلاح في إنهاء الزوجية، فإذا اتفقا على إبقاء الزوجية أو إنهاء الزوجية، يرفعان ما اتفقا عليه إلى القاضي، والقاضي يقوم بإمضائه، قال سبحانه وتعالى: ]فَابْعَثُوا حَكَماً مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِنْ أَهْلِهَا[[6]، لكن يشترط في الحكمين أن لا تأخذهما العصبية، وأما لو كان كل حكم من الحكمين، لابد أن يريد لصاحبه أن يكون هو الكاسب، وهذا يريد لصاحبه أن يكون هو الكاسب، فهذان لا يتحقق بهما الغرض،لأن الله سبحانه وتعالى يقول: ]إِنْ يُرِيدَا إِصْلاحاً يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا[[7]، وأما لو كان كل حكم يريد أن صاحبه هو الذي يغلب وهو الذي يكسب، يكون الأمر حينها شراً من أن يتصادم الاثنان، لأنه إذا كانت العداوة بين اثنين، فستكون العداوة بين عشيرتين، ويكون بعث الحكمين سبباً في إيجاد تشاجر لا بين الفردين كما كان، ولكن بين العائلتين، فحصر الخلاف في فردين أفضل من أن يحصل الخلاف في عشيرتين. فإذاً الحياة لا تستقيم على التناكر والاختلاف والتشاجر، وإنما تستقيم على التآلف وعلى التعارف وعلى التحابب، ولا يكون ذلك إلا بالإصلاح بين الناس، ولكن من يريد أن يصلح بين الناس فعليه أولاً أن يصلح نفسه، لأنه لو كان في حد ذاته ليس مصلحاً لنفسه، فإنه لا يتمكن أن يصلح بين الناس، والذي تعود أن لا يتنازل عن شيء من حقوقه لأحد من المسلمين، كيف يستطيع أن يذهب الى اثنين متشاجرين ويطلب من كل منهما أن يتنازل عن شيء من حقوقه للطرف الاخر؟ لا يقدر مثل هذا، بل يعجز، ولذلك اشترط بعض العلماء ومنهم صاحب الحدائق رحمه الله في العدالة أن يكون سهلا في القضاء والاقتضاء، فلو كان الرجل جامعا لكل شرائط الإيمان، لكن قضية التنازل عن حق ثابت له هذا لا يمر بخاطره، عند صاحب الحدائق هذا لايصلح شاهداً، ولا إمام جماعة، ولا إمام جمعة، ولا قاضي، ولا مرجع، لأن من شرائط العدالة عنده وليس فقط عنده بل عند علماء كثيرين أن يكون سهلا في القضاء والاقتضاء، يعني سهلا في التسليم بحقوق الغير، متساهلا في التنازل عن حقوقه، يعني في القضاء يعني إذا كان هو يقضي لغيره، يطالبه بحق، والاقتضاء إذا كان غيره يقتضيه يطالبه بحق،  فيكون سهلا في الطرفين، ولا يحمل في قلبه ولا يتشبث بالأسباب التي تجعل في قلوب المؤمنين عليه غلاً، ولا يحاول أن يوجد الغل في نفسه على أحد من المسلمين من أجل هدف مادي زائل، بل يتنازل ويتسامح، مثل هذا الانسان يتمكن أن يصلح بين سائر الناس، لأن كلامه في طلب التنازل يكون على سجيته وطبيعته، وليس فيه تكلف، فينفذ إلى قلب الطرف الآخر، وأما لو كان ممن لا يتنازل عن شيء من الأشياء يكون له، أو يكون صعباً في تسليم أشياء الناس لهم، فهذا الإنسان لا يمكنه بطبيعة الحال أن يصلح, والنبي صلى الله عليه وآله نهى أن يبيتن مؤمن وفي قلبه مقدار جناح بعوضة على مؤمن آخر, بل عليه أن يصفي نفسه ويصفي قلبه عن كل المؤمنين قبل أن تأخذ عينه النوم, بنأتنأألالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالالاتمةممككككككككككffggflkj,l;;نننأن يهبهم كل إساءة وصلت إليه من مسلم أو مؤمن, ونهى صلى الله عليه وآله أن يتقاطع مسلمان أكثر من ثلاث ليال, فإن تقاطعا واستمر تقاطعهما أكثر من ثلاث ليال, كان مقت الله لهما جميعاً, وأيهما سبق صاحبه إلى الصلح والاعتذار وذهب اليه يطلب منه العذر وإن لم يكن هو مسيئا في حقيقته سبقه إلى الجنة, يقول صلى الله عليه وآله: أسبقكم للاعتذار من صاحبه أسبقكم الى الجنة, كل ذلك من أجل عدم وجود التخالف والتناكر بين أفراد المجتمع, وإحلال التآلف والتعارف والتآزر, وبماذا وصف الله أهل الجنة في الجنة؟ أعداءً متدابرين؟ أو قال إخواناً على سررِ متقابلين, بل إخوانا ولم يقل أعدء، وبماذا وصف الله أهل الجنة في الجنة؟ أعداء, وأن المسلمين ليطول حسابهما يوم القيامة لسبب أن هذا يطلب هذا بحقه وهذا يطلب هذا بحقه, والله سبحانه وتعالى يغفر ويتوب ويرحم ويهب حقوقه, ولكن حقوق الناس إذا طالب بها الناس, لابد من أخذها لهم, والآن تصور أنك تطالب عشرة آلاف شخص بإساءات, ويطالبك عشرة آلاف شخص بإساءات, تقف على باب محكمة واحدة إلى أن تنتهي من اقتضاء حقوقك على عشرة آلاف شخص, كم يمضي من الزمان وأنت تقف على باب المحكمة حتى تؤدي حقوق عشرة آلاف شخص كم تمضي من الزمان؟ وأنت واقف في عرصات القيامة؟ يعني مئات السنين من أجل أن تقضي حق زيد, ويقضيك عمرو حقك, أليس من الأصلح أن تأتي القيامة لا تطالب أحداً بحق ولا يطالبك أحد بحق, ويبقى فقط ما بينك وبين ربك, فتقصر بذلك حسابك، وتعجل بذهابك إلى الجنة, وأكثر من ذلك لو ابتليت بشخص ليست له حسنات, وهذا الذي ليست له حسنات أتظن أنه يقول لا هذا زيد هذا وأنا أعفو عنه؟ لا, لأنه في ذلك الوقت لا يطمع في أي شيء, فيقول بل أعطوني من حسناته, فإذا أخذوا من حسناتك ولم يبق منها شيء قال خذوا من سيئاتي وضعوها عليه لتخففوا عني. إن الإنسان يجب أن يبقى في النار عدد السنين, فإذاُ فساد قلوب المسلمين والتناكر بينهم، كما أن فيه أضراراً كبيرة في الدنيا، أقلها أن يتسلط عليهم أعداؤهم، وأن يستذلوهم، وأن ينكلوا بهم لأنهم متناكرون لا يتعاونون ولا يتآزرون، كذلك له آثاره السيئة في الآخرة، بحيث يطول بذلك حسابهم ولا ينجون والعياذ بالله من دخول النار.

فينبغي للمؤمنَين إذا كانا قد تشاجرا أو اختلفا في أمر من الأمور أن يحاولا بكل جهد أن يزيلوا ما بينهما، يعني هذا بعد أن يصفوا أنفسهم ويطهروها ويوطنوا انفسهم على التساهل في حقوقهم تجاه سائر المؤمنين وتحمل إساءات المؤمنين مع غفرانها، انظروا الى مالك الاشتر مثلاً، هذا رجل شيعي، ونحن نقول أيضا إننا شيعة، لا، هذا سيف أمير المؤمنين عليه السلام ووال من ولاته، ومن الزعماء في العالم الإسلامي، ويكفي أن مصر كلها تدين لسيادته، وقد قاد وفدها في الفتنة الكبرى يوم ذهب إلى المدينة، الزعامة ليست شيئا سهلا، وهو ليس إنسانا عاديا، بل إنسان من علية القوم في ذلك الوقت، يمر على سوق الخضارين في الكوفة عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام، طبعاً هم عراقيون لا يعرفون والي مصر، شكله شكل مصري، يأخذون الخضار الفاسدة ويضربونه بها، ماذا يفعل مالك الاشتر؟ بإمكانه أن يذهب ويرسل صاحب الشرطة ويقبض على الفاعل ويؤدبه تأديباً تاماً، والدولة دولته، والزمان زمانه، لكن ماذا يفعل مالك؟ يسرع إلى أقرب مسجد من السوق، فيدخل ويصلي ركعتين ويقول: اللهم اغفر له فإنه لا يعرفني، فلا يعفو عنه فقط، بل يسأل الله أن يغفر له، وإلا فكيف صلح لأن يكون سيف أمير المؤمنين عليه السلام، وأن يقول له أمير المؤمنين: كنت لي يا مالك كما كنت لرسول الله صلى الله عليه وآله، لو كانت نفسيته أنه لا يرضى أن يهينه أحد ولا يرضى... و...، أليس الاجدر بنا ان نقتدي بآبائنا وأسلافنا، أيمتنا صلوات الله وسلامه عليهم، الذين هم أعلى درجة من مالك، وما شرف مالك وما عظم مالك وما ارتفع مالك إلا لأنه صار بواباً على أبوابهم، وخادماً من خدامهم، وسيفاً من سيوفهم وأين درجة مالك وأين درجتهم، فهذا أحد الذين غرر بهم النواصب في المدينة المنورة، وما أكثر النواصب في المدينة المنورة منذ ذلك اليوم، يمتليء قلبه حقداً على الإمام زين العابدين عليه السلام، بسبب ما يقوله النواصب، فيخرج زين العابدين عليه السلام من المسجد فيتبعه ذلك المغرر فيشتمه، يمشي وراءه ويشتمه، والإمام صلوات الله وسلامه عليه يسير وكأنه لا يسمع، قال ربما أنه لم يعرف أنني أعنيه، فلحقه وقال يا هذا إياك أعني، بكل وقاحة، فماذا أجابه زين العابدين عليه السلام؟ قال: وعنك أعفو، هذا الرجل بهت، فأين ما يقوله هؤلاء الناس من الكلام في هذا الانسان؟ أين تلك الاشياء التي يذيعونها لنا، لقد تبخرت، فيرجع الرجل منكساً رأسه ويقول: الله أعلم حيث يجعل رسالته، هذا إمام من أيمتنا عليهم السلام، فنحن أيضا إذا كنا إمامية فلا بد أن نقتدي به، وكذلك النبي صلى الله عليه وآله وما كان يصيبه من الأذى من قومه، وكان بامكانه أن يدعو عليهم دعاءً بسيطاً فلا يبقى منهم أحد، ماذا كان يقول؟ اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون، فإذن هذا أيضا نبينا ورسولنا وسيدنا والذي به فخرنا، والذي به قامت هذه الأمة وتأسست، وفضله علينا إلى يوم القيامة، ألا نقتدي به في هذا الموضوع؟ فإذن لا ينبغي للمؤمن أن يبيت وفي قلبه على أخيه المؤمن مقدار جناح بعوضة، ولا ينبغي للمؤمن أن يعلم أن خلافاً وتشاجراً وتناكراً وقع بين مؤمنين وهو يقدر على السعي في إزالة ذلك الخلاف ويترك هذا السعي، وإذا كان يعرف أنه لا يقدر ولكن يعرف أن زيداً يقدر، فلا ينبغي له ألا يذهب إلى زيد ويخبره بأن بين فلان وفلان تشاجراً أو اختلافاً أو تناكراً فلا تغفل عنه ولا تقصر في إزالته، فإن الدال على الخير كفاعله، وله أجر السعي، وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

*  محاضرة ألقاها الشيخ سليمان المدني في 18 شهر رمضان 1412هـ المصادف 22 مارس 1992م

[1]  الأنفال: من الآية1

[2]  الأنفال: من الآية1

[3]  الكافي – ج2 – ص343 – الشيخ الكليني

[4]  القلم:11-13

[5]  الأنفال: من الآية63

[6]  النساء: من الآية35

[7]  النساء: من الآية35

آخر تعديل في الإثنين, 29 مارس 2021

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.