almuhadhrat

تساؤلات (3)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين.

أولا أبارك لكم وقبلكم أزف التبريكات والتهنئات إلى إمام العصر عجل الله فرجه وجعل أرواحنا فداه وإلى كافة المؤمنين والعلماء بالأخص بمولد السيدة البتول الصديقة الكبرى فاطمة صلوات الله وسلامه عليها سائلين المولى عز وجل أن يعيد علينا هذه الذكرى الغالية ونحن في حال أحسن من هذا الحال، في حال أمن وأمان واستقرار واطمئنان، في حال تآخ لا في حال تشاتم وعدوان إنه هو الحليم الكريم المنان.

في هذه الليلة أو في هذا الأسبوع وردت عدة تساؤلات، وقد كثر السؤال عنها مما يضطرنا للإجابة عنها.

السؤال الأول يقول إن كثيرا من الناس يروجون بأن المعني في بيان أصحاب المبادرة بالذي روج ورقة الرسالة هو أنت، وأن بعضهم يدعي أن الشيخ عبد الأمير الجمري في بعض أجوبته الفردية قد أشار إليك بالاسم فما هو علاقتك بهذا الموضوع وما هو رأيك في الرسالة؟

أولا أنا أُجل وأُكبر وأُنزه فضيلة الشيخ عبد الأمير الجمري وهو العالم الفاضل والقاضي المحترم أن يقع في مثل هذه السقطة أو يتورط في مثل هذه الغلطة فيسوق الاتهام لشخص معين بدون دليل مادي، ولست مستعدا أن أصدق عليه هذا الادعاء إلا أن أسمعه من لسانه بأذني ذلك أن جميع الآيات القرآنية وجميع القواعد الشرعية تحرم تحريما قاطعا توجيه الاتهام إلى إنسان بدون بينة مادية معروفة باليد، أو قرائن قطعية لا يمكن أن تتخلف أو تؤول، ولا أعتقد أن فضيلته يغفل عن مثل ذلك حتى يقع في مثل هذا الموضوع؛ ومن أجل ذلك أنا لست مستعدا لتصديق صدور هذا الأمر عنه.

وأما ما يروجه دعاة الأحزاب وبعض من يحمل عداوة شخصية أو حقد شخصي في أوساط الناس بأن لي علاقة بهذا الموضوع فقد كفيت الرد عليه أيضا فانتشار هذه الرسالة في الصحف شبة الرسمية في داخل البحرين وفي الصحف الخليجية وفي وكالات الأنباء يكشف أنه لا علاقة لي بالموضوع، ولا أحتاج إلى الرد خاصة التصريح الذي صدر من سعادة وزير الإعلام يوم السبت المنصرم أي يوم 11/11/95 لوكالة الأنباء الفرنسية فرانس بريس والذي نشرته السياسة الكويتية في عددها الصادر يوم السبت وأن هذه الرسالة نشرت لتوضيح أن نفي الحكومة بعدم وجود اتفاق بينها وبين معتقلين أطلقوا من السجن وعدم وجود محاورة، فهذا يكشف أنني لا علاقة لي بالموضوع ولا أحتاج إلى رد أو توضيح أكثر من ذلك، فإن من كان خالي الغرض يكتفي بمثل ذلك، وصاحب الغرض لا يفيد النفي معه أي شيء، ولكن نظرا لأن المغرضين إنما يعتمدون على بعض ألفاظ في البيان الذي صدر من الجماعة التي عرفت بأصحاب المبادرة ويقولون للناس إنها لا تنطبق إلا علي لذلك حتى لا يقع ضعاف الناس في محرم يعتقدونه في أخ مسلم لهم أبين بعض هذه الألفاظ وهل تنطبق علي أو لا. فهم يقولون إن هذا شخص اطلع على الرسالة وأشار إليها قبل خروجنا من السجن، أنا فعلا اطلعت على الرسالة ولكن لم أشر إليها أمام الناس قبل خروجهم من السجن، وأيضا اطلع عليها أناس كثيرون منهم على سبيل المثال لا الحصر السيد مصطفى القصاب، ومنهم على سبيل المثال الحاج أحمد منصور العالي، بل كل من ذهب يعمل لتخليص الجماعة من السجن ويعمل على فكاكهم اطلع عليها وعلى غيرها، والذين ذهبوا يعملون من أجل هذه الغاية أشخاص كثيرون ولست وحدي. وإن كان قد نفي أن أي أحد لم يعمل على إخراجهم من السجن ولكن بعضهم كان يعلم وهو في السجن أن هناك من يتحرك على إخراجهم من السجن، فقد  كان السيد مصطفى مثلا يقابل الأستاذ حسن بعد كل جلسة نجلسها مع وزير الداخلية ويخبره بأننا جلسنا مع وزير الداخلية ويخبره بأننا اطلعنا على كذا وكذا ويسأله عن رأيه ورأي الجماعة فيه.

فالذين اطلعوا على الورقة أناس كثيرون ولست أنا وحدي، أما من أشار إليها قبل خروجهم من السجن فلا أعلم أو لا يلزمني أن أذكر، على أنني أقول إنني لم أذكر محتويات الرسالة للناس بصورة علنية لا قبل خروجهم من السجن ولا بعد خروجهم من السجن، هذا جواب على ما يثار، بأي وصف اطلع عليها أنا أو غيري ممن أطلع عليها وهم كثيرون بكونهم يذهبون ليعملوا على إنقاذهم من السجن.

وأما من مكن منها؟ لا أعلم من مكن منها، أنا شخصيا لم أمكن منها ويكفيك أنه في يوم من الأيام وفي كلمة أشرت إلى وجود ثلاث رسائل ولم أتطرق إلى مضمونها وموضوعها فثار بعض أصحاب المبادرة ثورة شعواء وادعى أنني قلت إنهم اعتذروا وهدد بمقاضاتي إذا لم أتب عن ذلك ولو كنت متمكنا من الرسالة مثلا وأريد أن أنشرها لنشرتها ذلك الوقت عندما كنت أُهَدَّد بالمقاضاة بحجة أنني قلت إنهم اعتذروا، والحال لو رجع هو أو غيره إلى تلك الكلمة لوجد أنني لم أشر إلى موضوع أي رسالة من تلك الرسائل.

هناك أيضا ما يمكن أن يتعلل به بعض الكوادر الحزبية، بعض الحزبيين الذين يعادونني وأعاديهم فأنا أمقت الحزبية وأمقت الفئوية لأنها تمزق صفوف الأمة، أعلنها صريحة أنا أمقت الحزبية وأمقت الفئوية لأنها تمزق صفوف الأمة من جهة، وتسلب الإنسان الحزبي استقلاله الفكري والعقلي وتجعله أداة طيعة لتنفيذ مأرب زعماء ذلك الحزب، وتحد من نظرته إلى الكون والحياة والأشياء تحديدا شديدا بحيث لا ينظر إلى شيء إلا من بؤرة ضيقة جدا، ولذلك فأنا أعادي الحزبية، ونظرا لأنني أعادي الحزبية فالحزبيون على اختلاف توجهاتهم ليس فقط الأحزاب الكافرة بل حتى الأحزاب التي تسمي أنفسها أحزاباً إسلامية تعاديني، وربما ارتكبت ما حرم الله بالنسبة لي لأنها تعاديني وأنا أعاديها.

على أي حال فإن من بعض ما يتمسك به المروجون الحزبيون ويتعللون به في بيان أصحاب المبادرة بأن هذا الذي روج الورقة معروف المواقف وأنه رفض التعاون مع الحركة بحجة العنف والآن ما هي مبرراته في عدم التعاون مع الحركة وهي تدعو إلى الحوار؟

أولا: أنا لم أرفض التعاون مع أحد بالأسلوب الصحيح، وثانيا عندما شجبت العنف فما شجبت العنف من طرف واحد ولا من جهة واحدة بل كنت أشجب العنف والعنف المضاد، وأنبذ الشدة المتقابلة وأدعو إلى الأخذ بمبدأ الرفق بالأمور، وإلى مبدأ التحاور، وإلى مبدأ التفاهم، وإلى مبدأ الوحدة والتراحم، وكل الخطب التي قلتها من بداية قيام هذه الأزمة حتى خروج جميع الإخوان من السجن كلها ناطقة واضحة بهذا المفاد. ولقد أعطيت نسخة كاملة منها باستثناء ما قيل من الخطب في شهر سبتمبر أعطيت نسخة كاملة منها للأستاذ حسن ونسخة كاملة منها للأستاذ عبد الوهاب عندما أرسلا يقولان إن الناس يقولون إنك وقفت ضدهم ولم تشجب الشدة التي حصلت من الدولة، لم أجبهم ولكن أرسلت لكل واحد منهما نسخة كاملة من هذه الخطب، ولا اعتقد أنهما أيضا بعد الإطلاع على هذه الخطب يوقعان على أنفسهما أن يقصداني بهذا اللفظ في البيان لأنهما إذا كانا يقصداني بهذا اللفظ في البيان فهما يسجلان على أنفسهما أحد شيئين إما أنهما لم يقرءا لي شيئا مما أرسلت لهما أو أنهما يحملان في نفسيهما ضغناً علي دون أن أسيء إليهما. فأنا لا أعتقد أنهما يقصداني أو يشيران لأنني لا أظن بهما أحد هذين الأمرين.

على أي حال فإن بعض الشباب جزاهم الله خيرا قد قاموا بعمل نسخ متعددة من هذه الخطب مضافا إليها الخطب التي ألقيت طيلة شهر سبتمبر، وكل من أراد الاطلاع عليها ومعرفة موقفي من قضية العنف وهل عبت به على جهة دون أخرى أو نبذته من جميع الجهات يستطيع أن يدفع ثمن صورة من هذه الصور ويأخذ النسخة كاملة من الشباب ويقرأ هذه الخطب، ويكون هو الحكم المنصف بيني وبين الحزبيين المروجين، وبيني وبين الأعداء الشخصيين الحاقدين. على أنني أشكر الطبقات والفئات الواعية من الشعب على عدم تصديقهم مثل هذه التلفيقات وعلى رأسهم العلماء والخطباء والأساتذة والمدرسون والجامعيون والمحامون والكتاب والمثقفون بل كل المؤمنين الخيرين الذين يتقون الله فيما يقولون ويفعلون، ولكنني أيضا أحملهم المسؤولية، لا يكفي للإنسان أن يرفض الإيمان بالباطل ولكن على الإنسان أن يقوم بعملية التوعية والتنبيه لمن يراه من إخوانه المؤمنين والمواطنين بأنه سيقع فريسة للمغرضين، أحملهم مسؤولية الكلمة، أحملهم مسؤولية التوعية فهم طلائع هذا الشعب وهم أبناؤه وعليهم أن يقوموا بدورهم في التوعية خاصة فيما يتعلق بمثل هذه الأمور التي تفرق بين الصفوف، ومن لم يقم منهم بذلك فسيسجل عليه التاريخ أنه أهمل دوره وسوف يسأل عند ربه يوم غد أنه أيضا أهمل واجبه.

هذا كله من حيث ما أشير به أو ما يروجه دعاة الحزبية وذوو الأحقاد الشخصية.

يبقى هناك شيئان: الأول أنني أستغرب من البيان في نقطة واحدة وهي أن البيان ابتدأ بأن هذه الرسالة هي مصدر قوة لنا، وإذا كانت الرسالة مصدر قوة فلماذا كل هذه الحملة على من أخرجها ونشرها وروجها سواء كنت أنا أو كان غيري؟  ينبغي أن يشكر لأنه كان لك دليل ضائع فأخرجه، وكان لك برهان مختف فأظهره، فمثل هذا الإنسان سواء أخرج هذا البرهان وهذا الدليل بنية حسنة أو بنية سيئة، ينبغي أن يشكر لا أن يحمل عليه، هذه نقطة أستغربها في البيان. أن تكون الرسالة مصدر قوة ومع ذلك يهاجم ويؤلب ويعمل على من أخرجها ونشرها، فإن هذا الشخص إذا كانت مصدر قوة لا إشكال يشكر، فلو كانت عندي دعوى في أرض مثلا، وتقدم أعدى الأعداء لي وأخرج ورقة قديمة تثبت ملكية هذه الأرض لكنت أتقدم إليه بالشكر الجزيل لا أن أقول هذا أخرجها بسوء نية, لأنها مصدر قوة، فمادام أن هذه الرسالة مصدر قوة لا أجد معنى لكل هذا التحامل الذي ورد في البيان على من نشر هذه الورقة.

الشيء الثاني أن هذه الرسالة وهي تتعلق بمصير شعب وبمصير أمة ينبغي أن ينظر إليها مع غض النظر عمن أخرجها وعن نيته, وأن تدرس بغض النظر عمن أخرجها سواء كانت الدولة أو كان شخصا أو كانت فئة سياسية تناقض الفئة السياسية التي كتبتها أو تكون هي نفس الفئة السياسية التي كتبتها وأخرجتها باعتبارها مصدر قوة تريد أن تروجها، بغض النظر عن كل ذلك ينبغي أن تنظر الرسالة مستقلة عن المصدر الذي أخرجها وروجها، هذا هو رأيي في الرسالة، أما في محتوياتها فأرجئ الكلام عن ذلك هذه الليلة وأتوجه للجواب على سؤال آخر.

السؤال الثاني يقول إن أصحاب المبادرة طالما رددوا أنك وبعض العلماء وبعض الشخصيات شهود ومع ذلك لم نسمع منكم شيئا. أو ليس كتمان الشهادة محرم وأن الله سبحانه وتعالى يقول: ]وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ[[1] ؟

أقول إن أداء الشهادة تارة يكون واجبا وتارة لا يكون واجبا ويكون مندوبا إليه أو مباحا وتارة ربما يتصف بالكراهة أو الحرمة.

إذا كانت هناك دعوى قضائية أمام حاكم شرعي ودعا الحاكم الشرعي ذلك الشاهد إلى الحضور أمامه وأداء ما عنده من شهادة على الموضوع فإن أداء الشهادة يكون واجباً وينطبق عليه قوله تعالى: ]وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُه[. وكذلك لو توقف إثبات حق امرئ مسلم أو إنقاذ امرئ مسلم حتى لو كان القاضي غير شرعي كما لو كان قاضيا مدنيا ولكن إثبات الحق للمسلم أو إنقاذ الشخص المسلم لا يتم إلا بحضورك أمام القاضي وأداء الشهادة يجب عليك حينئذ الحضور وأداء الشهادة، وأما إذا كان لا يتوقف إثبات الحق أو إنقاذ المسلم فلا يجب عليك الحضور أمام القاضي غير الشرعي.

وتارة يكون مباحا أو مندوبا كما لو كانت هناك خصومة بين اثنين من الأصدقاء وعندك شهادة على أحدهما أو في صالح أحدهما، وجلسوا مع بعض إخوانهم ليحلوا هذا الإشكال وطلب منك الإدلاء بشهادتك، وأنت تعرف أن الشهادة تؤدي إلى حل الإشكال وإعادة الصفاء والأخوة والمحبة بينهم فعندئذ يستحب لك الحضور وأداء الشهادة حتى تنتهي الخصومة بين المؤمنين.

وتارة يكون مباحا فيما لو كان لا تترتب عليه مثل هذه الآثار ولا يترتب عليها ضرر أيضا، ودعاك صاحب الحق إلى الشهادة في مكان ما أو أمام شخص ما فإنه يجوز لك الحضور والشهادة، ولكن لا يجب عليك الحضور والشهادة وإنما يجب فقط إذا كانت هناك دعوى قضائية.

إضافة إلى أن الشاهد الذي يدعى أو يطلب منه الشهادة ينبغي أن يكون متصفا بصفة الشاهد في نظر من يدعوه إلى الشهادة على الأقل، أما لو كان الشاهد في نظر من يريد أن يدعوه إلى الشهادة لا يتصف بالصفات الشرعية للشاهد فكيف يحضر بوصفه شاهدا، مثال ذلك رجل أقرض إنسانا عشرة دنانير أمام شخصين من شاربي الخمر, وبعد ذلك أنكر هذا الشخص العشرة الدنانير، هل يتمكن الدائن أن يطلب شهادة هذين الشخصين وهو يعلم عنهما ويعلن عنهما ويقول للناس عنهما انهما شاربا خمر، طبعا لا، يقول له المدعى عليه أنت طعنت في شهودك وأرحتني من الطعن، أنت أيها الإنسان أرحتني من أن أطعن في شهودك أو أقذفهما.

إذن فالشاهد على الأقل ينبغي أن يكون في نظر من يدعوه إلى الشهادة حائزا على الصفات الشرعية للشاهد.

بعد سماع أصحاب المبادرة الشتم والقذف والمطالبة بالوضع تحت النعال لهؤلاء الشهود ولم يحصل منهم ردع ولا شجب ولا استنكار؛ بعد ذلك هل لهم أن يدعوا هؤلاء الشهود للشهادة؟! أنتم أرحتم الطرف الآخر من الطعن، أنتم قذفتم في شهودكم أيها الناس، وبعد كل هذا القذف لا يبقى ذكر هؤلاء الأشخاص وتكرار ذكرهم إلا للتمويه على الناس ولتأليب الناس عليهم أنهم يكتمون الشهادة، لو كنت تريد شهادتهم لدافعت عن عدالتهم ولكن ينكشف أو يظهر من الرضى بما يقال عن شهودك أمامك ولا تستنكر ولا تشجب ولا تكذب أنك مستغن عن شهادته ولا تريدها, وإنما تريد تأليب الناس عليه بذكره شاهدا، لا يوجد أكثر من هذا.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.

 

 

*  كلمة ألقاها في ليلة الثلاثاء 13/11/1995م بجامع جدحفص

[1]  البقرة: من الآية283

آخر تعديل في الإثنين, 29 مارس 2021

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.