almuhadhrat

تساؤلات (2)

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين،  واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام الدين،  أيها الاخوة الكرام أود أن أنبهكم أن هناك من يسعى جاهدا لإشعال الفتنة وشق الصف بين أبناء المجتمع الواحد، هناك من يريد أن يجعل الشيعة شراذم متحاربة متقاتلة متباغضة حتى لا تتمكن من حفظ مصالحها ولا تستطيع أن تحقق مآربها، هناك كثير ممن يحقد على هذا المجتمع لأنه في حقيقته ينتمي إليه جسما ولا ينتمي إليه روحا وفكرا،  هؤلاء الناس لا تزال تراهم لا يظهرون لك؛ فهم يتنقلون من مكان إلى مكان يحاولون ملأ القلوب بالأحقاد والبغضاء،  يحاولون أن يدفعوا البسطاء ليقوموا بتمزيق بعضهم بعضا،  فينبغي للناس أن تحذر من هؤلاء.

الذي حدث في الليلة الماضية في جدحفص هو نتيجة من نتائج أفعال هؤلاء الخبثاء الذين يندسون بين الشباب، فمثلا في بلاد القديم تثار الكراهية بشدة ضد جدحفص وضد من في جدحفص وحتى ضد من يأتي للصلاة في جدحفص جماعة أو جمعة، في الديه وفي السنابس وفي المنامة وفي كل مكان، وربما هناك من يثير الشحناء أيضا في جدحفص على من يسكن بلاد القديم، أو يسكن الديه، أو يسكن السنابس أو غير ذلك، هناك من ليست مهمته إلا تفريق الصفوف، تجده دائما يريد ضرب شخصيات المجتمع ورموز المجتمع، وأيضا تفكيك عرى هذا المجتمع بجعله مجموعات صغيرة وشلل، المحاولات لاختراق هذه البلدة ليست جديدة، لقد مضى عليه ما يزيد على ثلاث أو أربع سنوات، ونحن نعرف الأشخاص الذين يفعلون ذلك، وأخيرا تمكنوا من إيجاد موطئ قدم خبيث لهم في هذه البلدة، ظنا من أنفسهم أنهم لا يتمكنون أن يعيشوا إلا أن ينفذوا مأرب هؤلاء الخبثاء،  وهؤلاء تراهم يتنقلون بين الشباب، أضرب لكم مثلا [ببسطة] من [البسطات] في جدحفص يجلس فيها الشيوعي،  ويجلس فيها صاحب المخدرات،  ويجلس فيها الخمار فلا يقال له شيء ولا يكره بينهم، ولكن الخبثاء يكرهون بقية أبناء البلدة، بل بقية إخوانهم إليهم، لماذا؟ هؤلاء يعرفون أن بعض الشيوعية تجلس معهم في [البسطة] فلماذا لا يطردونهم؟ يعرفون أن بعض أهل المخدرات يجلسون معهم، لماذا لا يطردونهم ؟ لماذا يستجيبون لهؤلاء الخبثاء بأن فلان شتم فلانا؟ وفلان يقول عنك كذا، وفلان يزدريك، وفلان يسميك كذا، وهكذا تنبث ويصبح الاخوة أعداء، أخوان اثنان من أب وأم في بيت واحد تجد هذا يحقد على هذا وهذا يحقد على هذا لمصلحة من هذا؟ الذي حدث في الليلة الماضية هو نتيجة من نتائج ذلك فهل سوف نرضى أن نحقق مأرب الخبثاء؟ هل سنوافق فعلا يا أبناء جدحفص يا أبناء بلاد القديم يا أبناء كل القرى ويا أبناء البحرين هل ترضون فعلا؟ هل سترضون فعلا أن تسيروا في ركاب الخبثاء الذين يشرذمونكم جماعات صغيرة، ويبثون الأحقاد والبغضاء فيكم وفي هذه الفترة بالذات؟ أم أنكم ستأخذون ما حدث في الليلة الماضية درسا وتستفيقون من هذا السبات العميق؟ أنا أختلف مع فلان،  خير! تختلف مع فلان ومن أنت كي تختلف مع فلان؟ وأنا أؤيد فلان ومن أنت حتى تؤيد فلان؟ فلان اليوم رأيه كذا،  غدا يغير رأيه لكذا،  يرى المصلحة فيغير، وتبقى، على أي حال أنت تابع، يقال لك أنت واع حتى تندفع معه لكنك لست واعيا، ولو كنت واعيا فإنك لن ترضى بالتفرقة، لو كنت واعيا لم تجعل الاختلاف  الفكري سببا للعداوة والبغضاء، لو كنت واعيا لم تجعل الاختلاف في المنهج أو في السياسة، أو في أي شيء سببا لقطع العلاقات والأرحام، الواعي يختلف مع غيره ولكن لا يقطع الأرحام، ولا يملأ قلبه بالبغضاء حتى أنا وأخي قد نختلف في الرأي، لكن لماذا أحقد على أخي؟ في يوم من الأيام  كنت أنا وأخي عبدا لله رحمه الله مختلفين، كل أهل جدحفص تعرف، كان عبدا لله يسير مع القوميين وكنت أرفض الفكرة  القومية بشدة وأصر على الفكرة الإسلامية، وكنا مختلفين ولكن ما تعادينا ولا تباغضنا ولا تخاصمنا؛ لأنه اختلاف فكري سياسي، لا يستدعي هذا الاختلاف هذه البغضاء، بعد ذلك الرجل من نفسه التفت وترك ما كان عليه من فكرة وعاد معي في الفكرة، هل أن هذا الاختلاف يؤدي إلى مثل ذلك ؟ أقول لكم من أجل ضرب هذه المؤامرة ارجعوا إلى القرآن الكريم وما يقول إذا حدث مثل ذلك،  بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ]فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ[[1]، ]وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ[[2]، ]وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الأُمُورِ[[3] ، ]وَإِنْ تَعْفُوا وَتَصْفَحُوا وَتَغْفِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ[[4].

هذا هو منهج القراّن، نعم العفو في مثل هذه الحالة؛ فإنه من عزم الأمور،  لماذا من عزم الأمور؟ لأنه يفوت على مريد الفرقة ومريد الفتنه غرضه، من عزم الأمور لأنه يحفظ وحدة الجماعة، من عزم الأمور لأن الكلمة تبقى واحدة ويسقط العدو المندس ويرغم أنفه بالتراب،  فإذن منهج القرآن هو هذا،  وأنا أدعو جميع الأخوة الذين ضُربوا أو ظُلموا أن يعفوا عمن ضربهم وعمن ظلمهم، وأن يزيلوا ما في أنفسهم من الأحقاد،  نحن الآن نسعى لإخراج الموقوفين والمسجونين.. فكيف نعمل على إدخال أناس جدد في التوقيف ! نركض ليل نهار من أجل تحقيق هذه الغاية، نحاول أن نجعل كل الناس يعيشون في حب، في سرور، ولا يبقى بيت فيه حزين، وإذا بنا نقع في مصيدة العدو المندس، صحيح هناك أناس من خارج جدحفص جاءوا ولكن كان معهم أناس من جدحفص، لو لم يوجد أحد من البلد لم يأت أحد من خارجها، وأنا لا أقول أجنبي، فالذي يأتي من بلاد القديم يأتي إلى جدحفص إنما يأتي بلاده، والذي يأتي من أي قرية من أي مدينة هي بلاده،  البحرين كلها بلد واحد، لكن أقول لو لم يكن من أهل المحلة أشخاص لا يتجرأ أن يأتي أو يدخل أحد من غير أهل المحلة ليثير فتنة. فإذن لا نريد نحن هذه التفرقة، لا بين أهل المحلة الواحدة ولا بين أهل القرى المتجمعة، ولذلك فأنا أدعوكم جميعا إلى اتباع منهج القرآن الكريم وهو العفو والصفح والمغفرة، وفي هذا فائدتان،  الأولى العفو والمغفرة من الله سبحانه وتعالى، والثانية إسقاط كيد العدو المندس بين صفوف الشيعة، الذي يريد أن يشرذمهم وأن يسقط رموزهم.

أرجو من الأخوة غدا،  أن كل من له دعوى أو بلاغ على آخر أن يذهب ويسقطه، وإذا كان موقوفا يخرجه وأن يتصافحوا ويتصافوا، كما أطلب من أولئك الذين يجلسون على قوارع الشوارع إذا كانوا لا يعرفون بعضهم البعض وانتماءاتهم أن لا يجلسوا على هذه الشوارع،  أناس كثيرة تأتي من الخارج لا تعرفهم يندسون بينك، أناس حتى من القرية ضللهم الشيطان،  ضللهم العدو فاتبعوا آراءه وصاروا يحقدون على آخرين، وكلما صارت هذه التجمعات كلما استغلها هذا الإنسان المضلل أو العدو الحقيقي، لماذا لا نجلس في مجالس، هناك مجالس كثيرة في البلد، هناك في كل بيت مجلس، نجلس في بيت ولا نجلس على قارعة الطريق ونسمح لكل من هب ودب أن يلتحق بنا ويشوه  بعضنا عند بعض، هذا بالنسبة لموضوع حادثة الليلة الماضية.

أما بالنسبة لموضوع الأسئلة، فقد درست الأوراق المتبقية فوجدت أن الأسئلة في معظمها متشابهة، وفي غالبيتها بمعنى واحد، ولكن هناك بعض الأسئلة لا بأس بالجواب عنها.

السؤال الأول : هل أن لجنة الحوار لا تزال باقية وهل هي مستمرة في عملها ؟

سماحة الشيخ : أقول نعم لجنة الحوار التي اجتمعت مع سمو الأمير ورئيس الوزراء، وتقرر بناءً على جلساتها إطلاق هذه الكميات من الموقوفين والمعتقلين لا تزال باقية ولا تزال جارية في أعمالها، ولا أدل على ذلك من أنها ستجتمع في الأسبوع المقبل إن شاء الله مع سمو الأمير ورئيس الوزراء لتقديم طلب بالإفراج عن دفعات أخرى من المعتقلين لأنه في الأيام الأولى بعد تقرير الإفراج عن المعتقلين صار بسبب تكرر الحوادث، تطلق مائة ويعتقل مائتان، يطلق خمسون ويعتقل مائة، فالكميات أو المجموعات التي شملها العفو هي المجموعات السابقة على تلك الاعتقالات، والاعتقالات المتأخرة تحتاج أيضا إلى تقرير أو طلب عفو لإطلاقها وربما تقدر بستمائة أو يزيدون. طبعا المجموعات الأولى سوف يطلق بقيتها عند نهاية هذا الشهر أو في أوائل شهر أكتوبر إن شاء الله وإلى أن ينتهي، ولكن المجموعات الأخرى أيضا تحتاج إلى عمل لإطلاقها ولذلك قررنا أن يذهب بعض العلماء والمفكرين وربما بعض الوجهاء للاجتماع بسمو الأمير وسمو رئيس الوزراء في الأسبوع الآتي والتمني عليه أن يصدر أمرا جديدا لإطلاق هؤلاء الذين أخذوا في الأحداث المتأخرة ، وأما عن قضية منجزات هذه اللجنة وأعمالها كأمر التقريرين فأرجو أن يقوم به فضيلة الشيخ منصور حمادة في كلمته التي سيلقيها ليلة الخميس.

السؤال الثاني: ما رأيك في الحرس؟

سماحة الشيخ: هذا السؤال تكرر في أوراق كثيرة بعضها يقول ما رأيك في الحرس وبعضها يقول هل أنت راض عن الحرس وبعضها يقول لماذا وجد الحرس؟ لا بأس كنت أود أن هذا السؤال يقدم قبل ثلاثة أشهر أو أربعة أشهر.

عندما صارت الأحداث الأخيرة في البحرين وضعت بعض المجموعات والفئات والأحزاب منهجا بأن تحول جدحفص إلى أحد شيئين، أما أن تحولها ثورية بالقوة و العنوة ، وأما أن تملأ السجون من أبنائها ثم تأتي ألسنتهم المضللة في القرية لتقول إن فلانا الذي سجنه فلان هو الذي رمى أبناءكم في السجون وهكذا حتى تتمزق القرية، ومن بداية الأيام اقترح بعض الشباب تكوين الحرس، ورفضت ذلك خوفا من التصادم لأن الحركة كانت في قوتها والذين يندفعون من جهات مختلفة إلى هذه البلدة يأتون بالمئات فربما حصل التصادم بينهم؛ ولذلك كنت أرفض هذه الفكرة كلما عرضت،  وإن كنت أعتقد بجدواها، لكن خوفا من التصادم كنت أرفضها، وبعد ذلك حصل أن مجموعات من شباب جدحفص أخذوا واتهموا بتهم صعبة جدا، ونشرت لهم صور في الجرائد، والحال أنهم أبرياء، وأن الذي ارتكب هذه الأفعال غيرهم ممن يدفعون لتمزيق القرية، حتى صار تقريبا أن الذين نشرت صورهم وأسماؤهم في الجرائد من جدحفص أكثر من أي مكان آخر، فقرر الشباب أن يوقفوا هذا الأمر،  وأن يمنعوا تكرر ذلك. وكيف يستطيعون إذا كان يتسلل أناس من الخارج في الظلام أو في غفلة ويحرق بنكا أو يحرق دكانا أو يفعل شيئا ثم يتسلل راجعا، وتقع المصيبة على أهل المحلة، لابد إذن من إيجاد حراسة للبلدة بأسرها، ولم أستشر في تكوينه وتشكيله لأنهم خافوا أن لا أوافق، وشكلوا عملية الحرس، طبعا كنت راضيا عنها لأنني أعتقد جدواها، وفعلا بعد تشكيل قضية الحرس والحراسة في البلد لم تقع أحداث مؤسفة في جدحفص أبدا، بل الذي حصل أن هذا الحرس ساهم في التهدئة في المنطقة ككل، والهدوء في هذه المنطقة التي هي في وسط البحرين وتقع على شارعين رئيسيين يوصلان البحرين من شرقها إلى غربها. الهدوء فيها هو الذي أدى إلى هذه النتائج التي تعيشونها الآن، هذه هي فكرة الحرس،  وهذا هدفه وهذه نتائجه،  ولكن الذين لا يريدون للناس الأمن، الذين لا يريدون للناس الاستقرار لم يشجبوا خفافيش الليل الذين أخروا البحرين خمسين سنة إلى الوراء،  كسروا المصابيح وجعلوا الناس تعيش في ظلام، أخذوا يرعبون الناس  بالتفجيرات وأمثال ذلك،  هؤلاء لم ينتقدوا. إذا وجدوا شخصا مارا اتهموه بأنه جاسوس يتجسس عليهم وضربوه، هذا لا ينتقد على ذلك.. أما من يعمل لمنع حدوث هذه الأشياء لتبقى الأنوار مشعة في الطرقات، ليبقى الأمن والاستقرار للكبير والصغير والبعيد والقريب،  من يسهر ليله لتنام أنت في المكيف آمنا مطمئنا، هذا يسبب فتنة،  ]أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا[[5]، أنت الذي تشعل الفتنة لا الذي يريد أن يمنعك من ارتكاب الأعمال التخريبية.. تقول يسبب فتنة! استفزاز! أنت تأتي إليه وتستفزه وهو ساكت، أجهض الانتفاضة،  يعني منع التخريب، هذا ما حدث، نحتاج إلى شيء من الوعي، ولكن بعض من يقدر على التوعية لا يريد أن يعني نفسه بالقيام بذلك.

بقيت هناك بعض الأسئلة سوف تعرض للإجابة عليها مستقبلا إن شاء الله تعالى. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

*  كلمة ألقاها الشيخ سليمان المدني في ليلة الثلاثاء 18/9/1995م بجامع جدحفص

[1]  الشورى: من الآية40

[2]  النور: من الآية22

[3]  الشورى:43

[4]  التغابن: من الآية14

[5]  التوبة: من الآية49

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.