تساؤلات (1)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله كما هو أهله وكما ينبغي لكرم وجهه وعز جلاله والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله، والسلام عليكم أيها الاخوة جميعا ورحمة الله وبركاته.
كم يسرني أن ألتقي من جديد مع هذه الوجوه المؤمنة، كم يسرني أن ألتقي بكم من جديد في هذا المسجد وبعد غياب وإن كان في عمر الزمن قصيرا إلا أنني أحسبه دهرا طويلا.
ألتقي بكم وقد لمستم بأنفسكم ورأيتم بأم أعينكم كيف أن ما طرحناه من مبدأ التهدئة وحل الأمور عن طريق التفاهم والتحاور هو الطريق الصحيح الموصل الذي لابد وأن ينتهي الأمر بانتهاجه. كم حوربنا لأننا طرحنا مبدأ الحوار ونبذ العنف والشدة من أي جهة كانت، كم شوه علينا ونحن نقول للناس جميعا سواء كانوا حكاما أو محكومين إن الشدة لن تولد إلا الشدة وإن العنف لن يولّد إلا عنفا، و إن الله سبحانه ما جعل في يوم من الأيام التناحر والتشاجر والتهاتر طريقا طبيعيا للتعامل بين عباده، كم أوذينا وكم افتري علينا ونحن ندعو إلى منهج القرآن ومنهج السنة النبوية في التزام الكلمة الحسنة وفي التعامل باللين والرفق ونبذ الشدة والتفرقة. ولكن يقول سبحانه وتعالى: ]فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْض[[1].
بعد أن لم يكن منبر يدعو إلى الحوار غير هذا المنبر ومنابر أخرى قليلة كلها حوربت وكلها افتري عليها وشوهت، أصبحت كل المنابر وكل الألسنة تصب في مجرى واحد ذلك هو جدول التهدئة والتحاور. بإمكانكم أن ترجعوا إلى كل الخطب التي ألقيت ابتداء من اليوم السادس عشر من شهر ديسمبر في السنة الماضية وانتهاء بآخر جمعة صليت، ارجعوا إليها، اقرءوها، واسمعوا ما يقال اليوم من محاضرات ومن ندوات ومن كلمات لا أقول إنها تتفق معها في المعنى بل هي تردد نفس عباراتها وتحتج بنفس رواياتها وآياتها.
فإذن إن هذا المبدأ القرآني هو الذي أثبت نفسه وهو الذي أيده الله بتأييده ونصره بنصره، وهو الذي رأى الناس بعد كل ما حدث أنهم لابد أن يرجعوا إليه وأن ينتهجوه لعلهم يحققون خيرا لأنفسهم.
كم كنا نرغب، وكم كنا نود أن يلتزم هذا المنهج من البداية، وأن يسار على هذا الدرب من أول الطريق، لكنا قد تفادينا ذهاب أرواح أبرياء قد أزهقت، ولَكُنا قد تفادينا طاقات في المعتقلات والتوقيفات قد عطلت، ولكنا تفادينا أموالا عامة وخاصة قد أتلفت، ولكنا تفادينا أن نعود شراذم صغيرة، وفئات لا تزال غير ملتئمة، ولا تزال غير متفقة، ولا تزال القلوب تحقد على بعضها البعض. لو أن صوت العقل وصوت التفكير غلب منذ البداية على صوت المزاجية والعواطف، لكنا قد استرحنا من كثير مما أصابنا.
وعلى أي حال فنحن نحمد الله سبحانه على هذه العودة وعلى هذا الرجوع إلى منهج القرآن والسنة من كل الناس.
ولا أريد أن أطيل في الكلمة فليس عندي موضوع جاهز أطرحه هذه الليلة ولذلك أترك الباب مفتوحا للأسئلة حتى أوضح ما قد يدور في أذهان كثير من الناس ولا يجدون له جوابا.
يقول السائل: هل لديكم معرفة أو مساهمة في إطلاق سراح الأخوة العلماء المسجونين الذين أطلق سراحهم مؤخرا؟
سماحة الشيخ: بعد الجلسة الثانية مع سمو أمير البلاد وتقرير مبدأ إطلاق كافة الموقوفين الذين لم توجه إليهم تهم معينة أو كما يطلق عليهم في مصطلح الأمن المشاركون بدرجة ثانوية، والإصرار على أن يكون إطلاق النساء فورياً وأن لا ينتظر به الهدوء أو غير الهدوء، عمّدت مجموعة الحوار شخصين من أعضائها ليقوما بالاتصال بالجهات الأمنية في هذا الشأن وهذان العضوان هما عبد النبي الشعلة والحاج أحمد منصور العالي فأخذا يترددان على سعادة وزير الداخلية بقية الشهر الثالث وطيلة الشهر الرابع، وبعد مجيئنا من الحج واشتغال أحد الشخصين بالدخول في الوزارة الجديدة ذهبت أنا والسيد مصطفى القصاب لاستكمال مهمة الأخوين السابقين وللكلام عن المرأتين اللتين بقيتا حتى ذلك الوقت لم يطلق سراحهما، وأيضا أضيفت لهما في ذلك الوقت امرأة ثالثة أوقفت مؤخرا، وأيضا عن قضية المواكب العزائية التي كان يزمع أن تقيد حريتها في العام الماضي وعن بعض المعتقلين الآخرين.
وفي أثناء المقابلة فكرنا أن نطرح قضية المشائخ والأساتذة الخمسة الموجودين وطرحناها على سعادة وزير الداخلية الذي رفض أن يتحدث معنا فيها بحجة أنكم لا تأثير لكم عليهم ولا ينبغي أن تفتحوا هذا الباب، وفي نهاية الجلسة طلبنا من سعادته أن يسمح لأهالي المشائخ وأهالي الأساتذة بمقابلتهم فقال هذا لا مانع منه، وطلبت من الأخ السيد مصطفى إذا التقى بقريبه أن يعرف لي إن كان هناك تغير في التوجه، وإن كان هناك تغير في الموقف حتى يمكننا أن نبني الكلام على أساسه. ورجع إلي السيد يخبرني بوجود تغيير كبير في التوجه وفي الموقف الموجود عند الجماعة، فحاولنا تحصيل مقابلة جديدة مع وزير الداخلية حيث تمت في اليوم السابع من شهر المحرم وهو يوم الثلاثاء وأعدنا عليه طرح الموضوع وعندما احتج بأنكم لا تملكون تأثيرا عليهم قلنا له إن الخلاف الشديد الذي كان بيننا وبينهم في الأساليب والمناهج التي يسعى كل منا إلى تحقيقها في السابق ربما تكون قد حصلت هناك تغيرات فإن الإنسان إذا انتقل من حالة إلى حالة لابد أن يبدأ في التفكير، وأن يراجع نفسه وحساباته، وحتى نتأكد من أنه لا تأثير لنا أو لنا تأثير نطلب أن يسمح لنا بمقابلة الجماعة. فرفض الوزير رفضا باتا أن يسمح لنا بمقابلة المشايخ والأساتذة، وقال إذا كان ولابد فإن القوم قد أرسلوا قبل يومين يطلبون مني مقابلة، وإذا كان ولابد فأنا أقابلهم ثم أنقل لكم إذا كان هناك تغيير في التوجه لديهم، إن كان هناك تغيير في التوجهات أو لا، فقلنا هل تقابلهم غدا؟ قال لا طبعا وإنما سأقابلهم بعد اليوم العاشر من المحرم أي يوم الأحد لأن يوم السبت أيضا سيكون عطلة.
ولما قابلنا سعادته في المرة الثالثة أخبرنا بأنه قابل الأخوة، وأن هناك فعلا تغيرا كبيرا في الرأي لديهم، وأطلعنا على رسالة كانوا قد كتبوها إلى سمو أمير البلاد وطلبوا منه نقلها إليه ولكنه كان متلكئا وقال إنني لا أعرف فيما إذا كانت هذه مناورة سياسية أو أن هناك إخلاصاً في الموضوع، وشجعناه وتحدثنا معه كثيرا في شأن رفع هذه الرسالة إلى سمو الأمير والعمل على الإفراج عن الاخوة المشايخ.
وعندما قابلناه في المرة الثالثة أيضا أخبرنا بأنه قابلهم مرة ثانية وأنهم سلموا إليه رسالة مكتوبة وكانت موجهة إليه ذاته وقال إنني أريد ضمانا على ما يقولون وعلى ما سيفعلون. قلت له إنهم لا يتمكنون من تقديم ضمان طالما أنهم في داخل السجن ولكنني أتقدم بكفالتي الشخصية في أنهم يلتزمون بما يتفقون عليه معكم. طبعا وجد هناك رفض في البداية لهذه الكفالة ثم قال إنني قلت لهم فكروا بضمان وأنا سأنتظر ماذا سيطلعون به وإذا لم يحصل منهم ضمان وأصررت على الكفالة الشخصية وتتحمل مسئوليتها فلا مانع أن نقبلها.
المرة الرابعة أو الجلسة الرابعة التي قابلنا فيها سعادة الوزير حضر معنا عضو آخر من لجنة الحوار وهو الحاج أحمد منصور العالي وأبرز لنا الوزير أيضا رسالة ثالثة مكتوبة وموقعة من الشيخ عبد الأمير الجمري وقال: [إن كل شخص من الإخوة كتب رسالة بمفرده -كما طلبنا-] وسألناه عن قضية الضمان وعن قضية الكفالة فقال إنهم قدموا عدة اقتراحات منها أن يطلق سراح بعضهم ويبقى بعض آخر حتى تتأكد الدولة من أنهم يقومون بما اتفقوا عليه، وغيرها من الاحتمالات، وأن رجال الأمن يبحثون معهم في التفصيلات.
وفي الجلسة الخامسة - وهي الجلسة التي أفرج عنهم بعدها مباشرة - حضر مجموعة من لجنة الحوار منهم الشيخ أحمد الشيخ خلف العصفور وأحمد منصور العالي وعبد النبي الشعلة كما حضر الشيخ منصور الستري وحضر من الاخوة الشيخ عبد الأمير الجمري والأستاذ حسن المشيمع.
سألني أحد الاخوة في الليلة الماضية قال إنهم يقولون إنهم خرجوا نتيجة تفكير عميق ونتيجة عصارة ذهنية حتى المرض أو حتى السأم، قلت له لاشك أنهم صادقون أيضا فيما يقولون في ذلك، فالإنسان عندما تصيبه أي ملمة لابد أن يفكر في مخرج، والإخوة وهم في السجن لا إشكال فكروا في مخرج من ذلك، وكان الرجوع عن المنهج الذي كانوا يسيرون عليه إلى منهج الحوار وإلى منهج التفاهم وإلى منهج العمل بالرفق والملاينة هو النتيجة التي توصلوا إليها، وهي التي أقنعت الدولة بذلك، ولا إشكال في أن التفكير في مثل هذا الأمر وخصوصا أنه تفكير في التحول عن منهج معين وأسلوب معين إلى منهج آخر كان غير مقبول في الساحة بسببهم، أيضا يحتاج إلى تفكير كبير وإلى جهد كبير من الفكر قد يصل بالإنسان إلى حد المرض أو حد السأم، يعني ليس هناك من خطأ فيما قاله الإخوان, فإنهم فكروا أربعة أشهر حتى وصل بهم التفكير إلى حد السأم أو إلى حد المرض، وهذا لا يتعارض أن يكون هناك عمل من غيرهم ساهم في الوصول إلى خروجهم من التوقيف.
يقول السائل: ونحن نعيش آلام الفرقة التي مزقت الصفوف وشحنت القلوب على بعضها البعض هل هناك حركة توحيد وتقريب النفوس وخاصة بين من يأخذ بمبدأ التصعيد من قبل وبين من يقول بالتهدئة؟
سماحة الشيخ: من بنود الاتفاق بند أو تعهد يقول: ونتعهد بإصلاح ما أفسد ولم الشمل وتصفية القلوب من خلال التعاون مع الدولة ورجال الأمن والرجال المخلصين الذين عملوا على التهدئة والحوار. وهنا تدخل وزير الداخلية وقال لم تذكر العلماء فينبغي أن تقول والعلماء المخلصين الذين عملوا. فقال فضيلة الشيخ عبد الأمير العلماء أيضا داخلون في الرجال المخلصين. كل هذا موجود في مضابط الجلسة، ولا إشكال أن العمل على توحيد الصفوف وعلى لم القلوب، ينبغي أن يكون هو البداية الأولى في البناء الجديد للمستقبل، فإذا كنا نعجز عن لم شملنا مع بعضنا البعض فنحن أعجز عن التعاون مع غيرنا، إذا لم نقم بلم الشمل وتصفية ما في النفوس وإزالة ما في القلوب فإن جبهتنا ستبقى جبهة ضعيفة متخلخلة لا يعتنى بها، وعندئذ قد يكون هذا عائقاً كبيراً دون تحقيق أمنيات المواطنين وتطلعاتهم وما يرغبون من حقوق وما يصبون إليه من أمنيات وتطلعات وتوجهات، بدون توحيد الصفوف، وبدون توحيد الكلمة يصعب جدا تحقيق شيء، إن الله سبحانه يقول: ]وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُم[[2].
ولذلك كنا نرغب لو أن الإخوة ابتدأوا برنامجهم الذي يقومون به بالعمل على لم الشمل وتصفية النفوس، ولا مانع أن يتكلموا عن التهدئة وندب المواطنين للم بعضهم مع بعض، ونبذ هذه التهاترات، وهذه التهجمات من بعضهم على بعض، وتشويه بعضهم على بعض، لأن استمرار ذلك قد يؤدي إلى فشل ذريع في المستقبل فينبغي التنبه له من البداية.
س: بالنسبة إلى لجنة الحوار الرجاء بيان أفرادها وهل ستستمر في تحاورها مع الحكومة؟
سماحة الشيخ: لجنة الحوار هي مجموعة من الأشخاص انبثقت من مجموعة كبيرة أطلق عليها مجموعة الحوار أي المجموعة التي تدعو إلى تحقيق ما يحتاجه المواطنون أو ما يوجد في البلد من ثغرات، ومن تجاوزات وتصحيح ما فيه من أخطاء عن طريق التحاور والتفاهم مع المسئولين.
هذه اللجنة انبثقت من هذه المجموعة وحضرت في الجلسة الأولى مع سمو أمير البلاد ورئيس الوزراء وسائر أفراد وزراء العائلة الحاكمة ثم عدلت وأخرج منها أفراد وأدخل فيها أفراد وأيضا حضرت من جديد في الجلسة الثانية مع سمو الأمير وسمو رئيس الوزراء وسائر أفراد وزراء العائلة الحاكمة في هذا الموضوع. ولا إشكال أنه بعد هذه الجلسة الثانية وإقرار بعض المبادئ والتي لم ينته تنفيذها بعد لم يحصل هناك اجتماع رسمي أو اجتماع موسع بتعبير أدق للجنة الحوار لا مع بعضها البعض ولا مع الحكومة وإنما بقي العمل على تحقيق المبادئ التي أقرت من قبل سمو الأمير ورئيس الوزراء في الجلستين المذكورتين، ولا يزال العمل على تنفيذها جار ويكون الحضور لمقابلة الوزراء أو المسؤولين عن تلك تنفيذ تلك المبادئ بمقابلات جانبية وليس عن طريق حوار مع سمو رئيس الدولة أو رئيس الوزراء.
الآن لا إشكال في أن بعض أعضاء هذه اللجنة أصبح وزيرا فلابد من استبداله بعضو آخر، وكذلك فإن بعض الأعضاء ربما لا يرغبون في البقاء فلابد أن تجتمع مجموعة الحوار من جديد وتختار من بينها أفرادا يقومون بالتحاور والتفاهم مع سمو الأمير ورئيس الوزراء لإقرار مبادئ تصحيح ما يرونه أو ما يتفق على خطئه، وسد ما يرى من ثغرات وغير ذلك.
س: الآن وبعد التوجه السلمي هل تتفقون مع الإخوة الذين كانوا يعارضونكم في الرأي؟
سماحة الشيخ: عندما انتهت أو كادت الجلسة الأخيرة التي من بعدها أفرج عن المشايخ والأساتذة، في آخرها أعلنت أمام وزير الداخلية وأمام بقية الأشخاص الحاضرين وقلت حيث إن الإخوة قد نبذوا مبدأ العنف وأنهم يتبنون الحوار منهجا وهو الأطروحة التي طرحتها منذ أول الأزمة فإنني أؤيد وأدعم هذا التوجه الجديد والموقف الجديد.
يقول السائل: يشاع عنكم أنكم قلتم إن الذين قتلوا ليسوا بشهداء؟
سماحة الشيخ: قلت إنهم في رحمة الله ولم أقل إنهم شهداء ولم أقل إنهم غير شهداء، لأن الذي يعطي لقب الشهادة هو الله. يقول سبحانه: ]وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ[[3]. ولست أنا أو غيري هو الذي يعطي لقب الشهادة، وكلٌ متروك إلى رحمة الله سبحانه، والله سبحانه وتعالى أعلم بضمائرهم ونرجو جميعا أن نكون نحن وهم على خير عند الله سبحانه وتعالى.
يقول السائل: ينقل عنك كثيرا أنك تعارض أو لا تؤيد الحياة البرلمانية هل هذا صحيح؟
سماحة الشيخ: لابد أن الذي قيل له يكون عمره الآن أقل من 25 سنة حتى يصدق هذا الكلام، لأنه عندما أعلن أو أعلنت الدولة أنها ستدعو لانتخابات المجلس التأسيسي والحياة البرلمانية كان كل العلماء في البحرين متوقفون عن المساهمة في هذه التجربة وأنا الذي قمت بإقناعهم بالدخول في هذه التجربة، وأنا الذي قمت بطرح أسماء بعضهم في الوقت الذي كان هو يرفض الدخول في هذه التجربة، فقد بقي بعضهم أيده الله يرفض الدخول في هذه التجربة ومع ذلك قمت بطرح اسمه في منطقته وكنت أذهب وأقيم الندوات عنه وهو لا يزال في النجف وجاء إلى البحرين وعملت عملا كثيرا لأقنعه بالدخول حتى دخل، ولقد كنت أيضا من المعارضين لحل المجلس الوطني، والغريب بأن يشاع بأنني لا أؤيد الحياة البرلمانية! أنا لم أدخل الحياة البرلمانية ولن أدخلها هذا صحيح، يعني في السابق ولما رأيت أن الجهات الإسلامية لا وجود لها في الساحة أعلنت ترشيح نفسي وعملت لنفسي دعاية بأنني سوف أدخل إلى أن قويت كفة المتدينين ونزلوا بتيار قوي في مقابل التيارات الأخرى، وقبل بضعة أيام من الانتخاب سحبت نفسي ودفعت بالشيخ حسن زين الدين ليكون مرشحا في المجلس التأسيسي. فالذي يعمل بهذا العمل يكون غير مؤيد للحياة البرلمانية أم هو مؤيد للحياة البرلمانية؟
نعم في الوقت الحاضر أعتقد أن الظروف لن تسمح بتأسيس المجلس الوطني في وقت قريب مع وجود أولويات أعتقدها بالنسبة إلى الشيعة خاصة وبالنسبة إلى الشعب البحريني عامة أهم بكثير من الحياة البرلمانية.
الحياة البرلمانية هي فاكهة، فاكهة السفرة، أنت أوجد السفرة، الإنسان الذي لا يجد الخبز يأكله أيقول لأبيه أريد قرصا أو يقول لأبيه أريد برتقالا؟ أخبروني، الجائع الذي لا يدفع له أبوه قرصا يأكله مثلا أو لا يتمكن أبوه أن يدفع له قرصا يأكله يقول لأبيه أريد برتقالة؟! الحياة البرلمانية هي فاكهة المترف، هي مشاركة في القرار السياسي.
في الوقت الحاضر كثير من الموضوعات لا يمكن نشرها في الصحف، وكثير من الأشياء لا تزال تعد غير ممكن القيام بها في البلد، أطالب بالمشاركة في القرار السياسي وأنا لا أتمكن من أن أرفع صوتي بانتقاد وزير مثلا أو انتقاد وزارة؟! من يعجز عن انتقاد وزير يطالب بالمشاركة في الحياة البرلمانية.
يا أخي لابد من العمل أولا على توفير حرية الرأي، فإذا توفرت حرية الرأي، وإذا سدت الأمور الأخرى، فتوفرت الأعمال للعاطلين، وتوفر غير ذلك عندئذ يكون قولي أريد المشاركة في القرار السياسي معقولا.
يقول السائل: هذه الأمور كلها تتحقق عن طريق المجلس الوطني؟
سماحة الشيخ: عن طريق المجلس الوطني يمكن حل كل هذه الإشكالات؟
معنى ذلك أن نحول المجلس الوطني وزارة عمل أو نقابة عمال، نحول المجلس الوطني نقابة صحفيين إلى غير ذلك؛ فينشغل عن مهماته الأساسية. هذا غلط. هذا تصور باطل للمجالس البرلمانية، المجلس الوطني وظيفته الأساسية تشريع القوانين والوظيفة الثانية مراقبة السلطة التنفيذية في الإشراف على تطبيق تلك القوانين، والنظر في القضايا الخطيرة التي تلم بالوطن وتحتاج لعلاج كقضية العلاقات الخارجية والمعاهدات الدولية، وليس البحث عن الأعمال وتوفيرها بل هذا وظيفة السلطة التنفيذية.
يقول السائل: عاشت البحرين في الفترة الأخيرة تغيرات وتطورات، ورأينا سماحتكم مختلفين عن بعض العلماء المؤيدين للوضع، نريد أن نعرف هل كان أحد الطرفين على خطأ؟ وإذا كان على خطأ فلماذا؟
سماحة الشيخ: لا إشكال أنه إذا اختلف اثنان في مسألة ما، لابد أن يكون أحدهما مخطئ والآخر مصيب، ولا يعقل أن يكون الاثنان مصيبين. نعم يمكن أن يكون الجميع مخطئين والحق في طرف ثالث، ممكن لو كانت هناك أطراف ثلاثة أن يكون فلان مخطئ وفلان مخطئ وفلان مصيب، لكن إذا كانا طرفين فقد يكونان جميعا مخطئين ولا يوجد مصيب، هذا ممكن، ولكن لا يمكن أن يكون كلاهما مصيباً.
أما لماذا يكون أحدهما مخطئ هذا لا إشكال أنه شيء طبيعي أن يكون أحد الطرفين مخطئ أما إذا كان السائل يقصد من الذي كان على خطأ؟ الذي تراجع عن منهجه وتركه إلى المنهج الآخر هو الذي كان على خطأ.
س: اعتمدت الحركة منذ بدايتها على عدم الاهتمام بالجوانب الشرعية كسرقة السلندرات واتلافها وإحراق سيارات من تختلف معهم وتهديدهم بالقوة، حيث بدا بأن مبدأ الغاية تبرر الوسيلة هو مبدأ العمل مما جعلهم يسعون إلى إسقاط العلماء الأعلام وقد نجحوا في إسقاط الكثيرين ولم يفلحوا معك ترى ما هو السبب؟
سماحة الشيخ: لا اعتقد أنهم استطاعوا إسقاط العلماء. العلماء لا يستطيع أحد إسقاطهم في الحقيقة, لأن الإسقاط والعزة للعالم ليس بالكثرة أو بالقلة، عزة العالم بوقوفه مع مبدأ الشريعة، فيكون عزيزا عند الله والعزة تكون من عند الله، والذلة ليس بسبب قلة من يكون معه. ذلة العالم بتخليه عن مبدأ الشريعة، والذلة تكون من عند الله. يقول سبحانه وتعالى: ]وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ[[4].
فإذن لا يستطيع أحد أن يسقط العلماء، يستطيعون أن يشوهوا ويملؤوا أذهان الأطفال، وينفروا الناس عن الحضور معهم، ويحجبوا النور عنهم، وهذا ليس جديدا على العلماء. علي بن أبي طالب صلوات الله وسلامه عليه في مبدأ الأمر وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله لم يبق معه من الأمة الإسلامية إلا شرذمة قليلة، وانفضت الغالبية إلى غيره. لم يتحملوا منهجه عليه السلام ولذلك فروا عنه.
الحسن عليه السلام، الحسين، الأئمة عليهم السلام، لو كنت في أيام الباقر والصادق عليهما السلام، ونظرت جماعة الصادق أو جماعة الباقر وقارنتها بالجماعة الذين انشقوا عليهم وسموا أنفسهم بالزيدية لرأيت جماعة الباقر والصادق بالنسبة إليه كالشعرة البيضاء في الكبش الأسود، ولو قارنت جماعة عبد الله بن الحسن بن الحسن وولديه محمد وإبراهيم بجماعة الصادق. لكانت جماعة الصادق لا تعد شيئا مذكورا بالنسبة لهم.
ولكن اليوم من تتبع ألست تتبع ذلك الإنسان الذي انفض الناس عنه وتركوه وقالوا: "أغلق بابه وأرخى ستره وهادن الظالمين"، هذه الكلمة قيلت للإمام الصادق. وليس الإمام هو من أغلق بابه وأرخى ستره وهادن الظالمين. ولكن أنظر من الذي بقي، بقى هذا الإنسان الذي وصم بهذه الصفات ها أنت تتبعه وأنا أتبعه. أنا أو غيري من العلماء يستطيع أعداؤهم أن يشوهوا عليهم، يستطيعون ينفرون الناس عنهم لكن لا يستطيعون إسقاطهم.
* كلمة ألقاها الشيخ سليمان المدني في ليلة الخميس 13/9/95م بجامع جدحفص
[1] الرعد: من الآية17
[2] الأنفال: من الآية46
[3] آل عمران: من الآية140
[4] المنافقون: من الآية8
