يوم العيد، معناه وفضله
الأحد 1 شوال 1422هـ المصادف 16 كانون الأول 2001م
الخطبة الأولى:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله ذي الجبروت الذي لا يُمس حدوده, والسلطان الغالبة أعوانه وجنوده, والمُلك المتأبِّد خلوده, ضلَّت الأذهان عن الوصول لحريم حرمه, وحصرت الخطباء عن ضوابط شوارد نعمه, وعجزت الخلائق عن إحصاء جوده وكرمه, ]أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمَائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ دَاخِرُونَ[[1], قطع بكم إلى غايات طاعته بريداً بريدا, وذلَّل لكم قطوف ثمر وظائفه جديداً جديدا, وادَّخر لكم في خزائن الأيام هذا اليوم رحمةً وعيدا, واختار لكم من بين الأوقات هذا الوقت بركةً وفرحةً ومزيدا, وأنزل فيه البركات على الذين ]يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ[[2].
ونشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له, خالق ما ذب ودرج, وعجَّ وحرج, الكاشف لغسق الظلام بنور الضياء والبلج, ومنير سُبُل الهدى بمصابيح الأدلة والحجج, ومزيل صدى الضيق بمصاقل السعة والفرج, فـ]تُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ[[3].
ونشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده ورسوله, الذي اختاره من أفضل أرومةٍ في بريته, وأهَّله بفضله لإعلاء منزلته, فشرح صدره برسالته, ووضع عنه وزره بحسن توفيقه وكفالته, وقرن اسمه باسمه حضاً على حفظ أجرته بمودة عترته, ]فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ[[4].
ونصلي ونسلم عليه وعلى من اشترط مودتهم من ذوي قرابته, واستخلفهم لقيادة أمته, وأمر باتباعهم في فهم وحيه وشريعته, أئمة يهدون بالحق وبه يعدلون.
عباد الله, إن الله قد أفاض لكم بحار جوده وألطافه فالتقِطوا درر أصدافها, ودلل لكم شوامس أنعام قفاره, فالبسوا دروع أوبارها وأصوافها, وذل عليكم فواكه أثماره فاقتطفوا ما شئتم من أصنافها, وبنى لكم حصون أمنه بقدرته ورحمته فتبوَّؤوا شواهق بروجها وأعرافها, وفتح لكم أبواب ديار كرامته ودعاكم لسكناها فـ]ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ آمِنِينَ[[5].
عباد الله, إن ربكم قد مدَّ موائد طاعته فاملؤوا من خيراتها بطون صفحاتكم, وأسحَّ عليكم غدران لطفه ولطائفه فروُّوا منها أسقية سفركم ومنصرفكم, وقدح لكم قناديل براهين مواعيده فأزيلوا عنها غشاوة أبصاركم وشبهات بصائركم, وقدَّم لكم فواضل منحه فتنافسوا على تحصيلها بنفيس أعمالكم وطيب أفعالكم ]وَلَأَجْرُ الأخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ[[6], سقاكم سلسبيل الإفضال في إصداره وإيراده, وأتحفكم بجميل النعم بحسب إمضائه وإنفاذه, وألبسكم من حلل الأيام خلع عيده وميعاده, ووشَّحكم من طرائف الدهور بوشاح مواسمه وأعياده, وأرشدكم إلى سبل الخيرات لعلكم تهتدون.
فيا أيها الصافون في قيعان قدرته, المنتظرون نزول ديَّم رحمته, الخائفون من عذابه وسطوته, إنكم في يومٍ عُقدت فيه ألوية طاعته, وموسمٍ غُرست لكم فيه دوحات سنته, وأوانٍ هطلت فيه عليه شآبيب شفقته, فكونوا له فيه من الشاكرين الوجلين الراجين, وأدوا فيه زكاة فطرته, وضريبة خلقته, وقِفوا في الصلاة صافِّين أقدامكم في ميادين خدمته, مستبشرين بما أجزل لكم من سنيِّ جائزته, فقد انتهيتم مما كنتم فيه من سغب بطونكم وظمأ أفواهكم استجابةً لدعوته, وانصياعاً لإرادته, فهاهو قد أباح لكم ما حرم عليكم من لذائذ نعمته, وجزاكم بما لا تعلمون من جزيل النعم الدنيوية والأخروية بلطفه ورحمته, ولكن يا أولي الألباب, اعتبروا بما ذقتم من جوعٍ أزغب أحشائكم, ولغبٍ أيقظ عيونكم في هذه المدة القصيرة, والفترة الوجيزة, وتذكرو به بما سترونه يوم تقدمون على رب العالمين, كيف بكم وتحمُّل السغب الباقي واللغب الذي يوصل الأرواح للتراقي, والجهد الذي يصيب الإنسان يوم البعث والتراقي, وكذلك ناظروا ببهجتكم باللذات القصيرة الفانية, التي تظفرون بها في هذه الأيام الذاهبة الخالية, بالبهجة التي ستحسونها باللذات الدائمة الباقية, في الجنات الخالدة العالية, والمنازل المريحة الراقية, يوم تعودون إخواناً متحابين, على الأرائك متكئين.
جعلنا الله وإياكم ممن تُقبلت منهم الأعمال, وغُفرت لهم السيئات, وأُقيلت لهم العثرات, وأُزلفت لهم الجنات, فإن الله على كل شيءٍ قدير, وهو بالمؤمنين غفورٌ رحيم.
إن خير ما تُلي على المنابر, واقتدى به الأكابر والأصاغر, كلام الله الرحيم الغافر, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ & اللَّهُ الصَّمَدُ & لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ & وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ[[7].
وأستغفر الله لي ولكم إنه غفورٌ رحيمٌ وتوابٌ حليم.
الخطبة الثانية:
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الحمد لله بارئ النسم, وسابغ النعم, خالق الأرواح, وفالق الإصباح, ومُسخِّر الرياح, الذي عز عن الإدراك بالأبصار, وبعُد عن مرامي العقول والأفكار, واحتجب بشعاع نوره عن ملاحظة الأنظار.
أحمده سبحانه في السراء والضراء, وأشكره في حالتي الشدة والرخاء, وألتزم بشريعته وإنْ عمَّ البلاء, وأقتفي آثار أوليائه وإنْ طمَّ الابتلاء, وأعتمد حراسته جلَّ ذكره في النجاة من تهديد الجهلاء, وأستدفعه غائلة ما يُبيِّت الأعداء.
وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، لا شريك له الملك القهار, العالم بالخفايا والأسرار, المطَّلع على خفايا الأفكار, وما تُجنُّه الصدور في الإيراد والإصدار.
وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وآله عبده المبعوث بالأنوار الساطعة, ورسوله المؤيَّد بالحجج والبراهين القاطعه, الصادع بالشريعة الحقة والقوانين النافعة, الداعي إلى ارتداء حلل التقوى ودروع الخيرات الواقية الدافعة, أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
وأصلي عليه وعلى آله ذوي المجد والكمال، والكرم والإفضال، والنبل والاعتدال، الذين استخلفهم في أمته، واستودعهم أسرار رسالته، وعهد إليهم بوصيته، صلاةً دائمةً زكيةً طيبةً ناميةً ذكية.
عباد الله، أوصيكم بتقوى الله جلَّ جلاله، فإنها من الله الذمام، بل هي العماد الذي عليه للإيمان القَوام، وهي الجُنَّة الواقية من الأخطار في يومٍ تشخص فيه القلوب والأبصار، يوم تُبكم كل لهجة، وتُلجم كل مهجة، يوم لا ينفع صديقٌ ولا حميم، ]إِلاَّ مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ[[8]، وأُحذركم ونفسي قبلكم غضب الله ونقمته، وما توعَّد به من أصر على معصيته، واتبع غير صراطه ومحجته, وعمل لدنياه ونسي آخرته, وفُتن بما في هذه الفانية عما وعده ربه في جنته, وليت شعري من عاين تقلب الأيام بأهلها كيف يطمئن إلى دهره, ومن عرف تغيرات زمانه كيف يأمن من مكره, ومن علم أن بطن الثرى مآله كيف يمرح على ظهره, ومن أبصر خدع الدهر لأهله كيف لا يخاف من غدره.
عباد الله, إن يومكم هذا يومٌ عند الله عظيم, وله منه المقام الكريم, قد جعله الله سبحانه لكم عيدا, ولنبيه صلى الله عليه وآله ذخراً وكرامةً ومزيداً، ولكن ليس العيد هو التباهي بالخلع الفاخرة بين الأنام, وليس معناه الفراغ من الصيام، فهذا عيد البهائم والأنعام، لا عيد المتقين من الأنام، فافهم يا أخي معنى العيد، فإنه من مقامات السعود، وإنجاز الوعود، فيه يقبل الله جلَّ اسمه على من أقبل فيه عليه من العبيد، وينشر عليهم مقدَّس سرادق ظله المجيد، ويخلع على من صفَّى قلبه من الشوائب خلع الحب, ويدني من تقرَّب إليه بالأعمال الصالحة لأدنى مراتب القرب, ويوزع فيه جوائزه على من أخلص له في صيام شهر رمضان, وتقرَّب إليه بالحسنات راجياً منه العفو والغفران، ففي الحديث عن جابرٍ عن الإمام الباقر عليه السلام قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "إذا كان أول يومٍ من شوال نادى منادٍ: أيها المؤمنون اغدوا إلى جوائزكم, ثم قال: يا جابر جوائز الله ليست كجوائز هؤلاء الملوك"[9].
فاتقوا الله عباد الله وتوبوا إليه، وارجعوا إلى حضيرة رحمته لا رحمة المنحرفين، وارجو نصره لا نصر الملحدين، وتمسكوا بعروة وحيه لا بفلسفات المشبِّهين، فإنه من استعان بغير الله ذل، ومن رجى غيره خاب مسعاه.
الجأوا إلى الله عباد الله بالدعاء ضارعين، وعودوا بظل عنايته ملتجئين، وتوسلوا في قبول دعائكم وتحقيق أمانيكم بتقديم الصلاة والسلام على محمدٍ وآله بدور التمام.
اللهم صلِّ على شمس سماء المجد والفخار, وقطب دائرة الجلالة والوقار, البدر الطالع في أفق الهداية والرشاد, ونور الحق الساطع في جميع أقطار البلاد, النبي العربي المؤيَّد, والرسول الهاشمي المسدَّد, أبي القاسم المصطفى محمد.
اللهم صلِّ على البدر التمام, وصيِّ خير الأنام, وخليفة الملك العلام, المخصوص من الله بعظيم المواهب, الإمام بالنص أمير المؤمنين علي بن أبي طالب.
اللهم صلِّ على البضعة المحمدية, والنبعة الأحمدية, والعقيلة الهاشمية, والبتول النوراء, أم الحسنين فاطمة الزهرا.
اللهم صلِّ على ريحانتي الرسول الأمين, وسبطي خاتم المرسلين, وسيدي شباب المسلمين, الإمامين الهمامين, أبي محمدٍ الحسن وأخيه أبي عبد الله الحسين.
اللهم صلِّ على أئمة المسلمين, وقادة المؤمنين, علي بن الحسين ومحمد بن عليٍ وجعفر بن محمد وموسى بن جعفرٍ وعلي بن موسى ومحمد بن عليٍ وعلي بن محمد والحسن بن عليٍ والحجة بن الحسن صاحب العصر والزمان.
اللهم صلِّ على خاتم الأئمة وكاشف الغمة عن هذه الأمة, آخر الأوصياء, وسليل الأنبياء, المؤيَّد بالنصر المؤزَّر, والحجة على الجن والبشر.
اللهم عجِّل أيام دولته وعدله, وابسط على وسيع الأرض بساط جوده وفضله, واجعلنا من المعدودين لنصرته, الداخلين في حياطته, إنك سميعٌ مجيب.
إن أنفع المواعظ زواجر الله, وأصدق الأقوال كتاب الله, أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
]إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ[[10].
وأستغفر الله لي ولكم وللمؤمنين والمؤمنات إنه غفورٌ رحيمٌ وتوابٌ كريم.
[1] سورة النحل: 48
[2] سورة النحل: 50
[3] سورة النور: من الآية31
[4] سورة الأعراف: من الآية157
[5] سورة الحجر: 46
[6] سورة النحل: من الآية41
[7] سورة الإخلاص
[8] سورة الشعراء: 89
[9] من لا يحضره الفقيه – ج1 – ص511 – الشيخ الصدوق
[10] سورة النحل: 90