almuhadhrat

رسالة

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله الطيبين الطاهرين، واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم جميعا ورحمة الله وبركاته.

كان من المزمع أن تكون هذه الكلمة خاصة ببعض الأمور التي تعيشها هذه البلدة، ولكن رأينا أن نؤجل هذا الموضوع إلى فرصة أخرى، ونتكلم عن بعض ما يدور في الساحة العامة بدلا من تخصيص الكلام عن  البلدة بخصوصها.

وربما يفهم من هذه الكلمة التي سنقولها أنها دفاع عن النفس أكثر منها توجيها، وأقول حتى لو فهم منها ذلك فلا ضير فيه، فلو استغنى إنسان عن الدفاع عن نفسه لبراءته لاستغنى أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه عن الدفاع عن نفسه. ومن ينظر في نهج البلاغة وفي كثير من خطبه كالخطبة الشقشقية وأمثالها يجده صلوات الله وسلامه عليه يركز فيها على بيان أمور تتصل به شخصيا. ونحن نعلم أن دعايات المغرضين خاصة من بني أمية ضده صلوات الله وسلامه عليه حاولت أن تشوه عليه كثيرا، ولا يزال كثير من هذه الدعايات سارية عند جمهور المسلمين ضده حتى اليوم، مثال ذلك، نسبة الكفر إلى أبيه رضوان الله عليه أبي طالب؛ فلا تزال غالبية المسلمين تعتقد بأن أبا طالب عليه السلام مات كافرا، لماذا؟ للدعايات المغرضة التي كان يبثها بنو أمية ومن كان معهم. ولأن هذه الدعاية إنما خرجت بعد وفاته صلوات الله وسلامه عليه، ولم تكن هناك فرصة لأولاده بسبب الضغوط الشديدة التي وقعت عليهم للدفاع عنه، مثال ذلك لم يردع بني أمية مقام أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه في الإسلام ولا قربه من رسول الله ولا كونه أول المؤمنين ولا كونه الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وآله "علي مع القرآن والقران مع علي" لم يمنع الألسنة المستأجرة من بني أمية أن تفتري على علي عليه السلام وتتهمه حتى بارتكاب الكبائر والعياذ بالله، فلا يزال مع الأسف جمهور كبير من المسلمين ومنهم مثلا صاحب كتاب [في ظلال القرآن] السيد قطب وهو يدعي أنه من العلماء العصريين المتحررين حتى مثل هذا الإنسان تنطلي عليه مثل هذه الدعايات المغرضة فيقول في تفسيره إن قوله تعالى: ]لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ[[1]، نزلت في علي بن أبي طالب لأنه كان يشرب خمرا كثيرا ويذهب إلى المسجد وهو سكران.

نعم، الدعايات إذا أطلق لها العنان قادرة على أن تشوه أي شخصية. ولولا أن الله سبحانه وتعالى قيض لمحمد صلى الله عليه وآله النصر على قريش لكانت التهمة التي وجهت إليه بالكذب أو بالسحر أو بأنه عميل للروم في تفتيت العرب قد ثبتت عليه. ومن ينظر القرآن يجد هذه التهم موجهه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله.

فإذن الإشاعات المغرضة والدعايات المدروسة التي تستعملها الفئات السياسية قديما وحديثا قابلة لتشويه أي شخصية، ولإسقاط أي إنسان. وإذا كان الله سبحانه وتعالى قد دافع عن نبيه في قرآنه، وإذا كان أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه قد دافع عن نفسه في خطبه وفي حياته فلا ضير إذن على أي مؤمن أيضا أن يدافع عن نفسه وأن يشرح ويبين مصادر أي تهمة توجه إليه، فحتى لو فهمت الكلمة التي ستقال على أنها دفاع عن النفس أيضا فلا ضير في ذلك، فقبلي من الأوصياء والأنبياء من دافع عن نفسه، على أن الكلمة في الحقيقة هي دفاع عن خط، ودفاع عن فكر، ودفاع عن مجموعة، لست أنا المقصود بالتشويه، ولكن علماء البحرين المخلصين هم جميعا مقصودين بالتشويه، وإذا كنت واحدا منهم وأقصد أكثر من غيري فلأنني أكثر منهم صراحة في فضح الدسائس التي تحاك للشيعة في البحرين، وإذا كنت أقصد أكثر من غيري في هذا الموضوع فلأنني أكثرهم خبرة بما تريد الأحزاب أن تفعله، وأن تصل عن طريق تسخير الأبرياء من الشيعة الذين لا يعرفون شيئا والسير عليهم واتخاذهم جسرا لأغراضهم ومطايا لهم.

أما بالنسبة لي فأنتم والبحرين كلها تعلم أن القوم لم يكن استهدافهم لي جديدا، فقد مضت عشر سنوات أو تزيد لا توجد مناسبة إلا وتكثر عني الافتراءات والإشاعات في كل مكان، هذا أمر ليس بالجديد، مضى عليه عشر سنوات أو تزيد، ولكنني أحمد الله على أن القوم لحماقتهم ولجهلهم لم يعتمدوا في يوم من الأيام على حقيقة، لم ينطقوا بكلمة صدق، كل ما عندهم أمور مخترعة مختلقة؛ ولذلك تنكشف بسرعة، ولم يتمكنوا أن يؤثروا شيئا، ما تركوا وسيلة إلا ارتكبوها، ما أكثر  الأشرطة التي دبلجوها، مرة أنني أفسق الخميني، ومرة أنني ضد الجمهورية الإسلامية، ومرة ومرة... وما شاء الله من الافتراءات التي أصبحت عند الناس لا يكترث بها، ومع ذلك كنت أنا شخصيا أعف عنهم، وكذلك بالنسبة للعلماء.

لقد مضت أجيال وهم لا يتركون وصمة إلا وصموهم بها، فلان عميل، فلان خائن، فلان كذا وهكذا، ماذا يريد هؤلاء الناس؟ هل يريدون إسقاط القيادات الدينية في هذا البلد ليتمكنوا من سوق الناس في الاتجاه الذي يريدون؟ أعتقد أنهم لن يتمكنوا من ذلك، وإن الله سبحانه لن يمكنهم من ذلك، وإن وعي الناس، وإن إدراك الناس في هذا البلد، لهذه الدسائس، لابد وأن تنكشف.

رسالة واحدة أوجهها إلى القوم، لا يحولوا الحرب إلى حرب شخصية فيضطرونا إلى كشف أسرار لا نريدها أن تنكشف في الوقت الحاضر، ليكونوا عقلاء، وأوجه الكلمة ثانيا لمن استرعاهم الله أمر المؤسسات الدينية كالمآتم والمساجد أن لا يسمحوا لهذه الأحزاب و للفسقة الذين رضوا لأنفسهم أن يكونوا أبواقا لهذه الأحزاب بالصعود على منابرها، وأن يصرفوا عليها من أوقاف وقفها أصحابها على نشر المبدأ، وعلى تركيز العقيدة لا على السباب والشتم.

كلمة أوجهها إلى كل رئيس مأتم أنه سيكون مسؤولا عن كل كلمة تقال على منبر هو مسؤول عنه، أوجهها إلى كل إدارة مأتم في البحرين أن هذه الإدارة ستكون مسؤولة عن كل كلمة تقال فوق منبر تكون تلك الإدارة مسؤولة عنه، عندما تتكلم علي، عندما تأتي بالأموال العامة أو بأموالك الخاصة تستأجر بها سبَّابا يسبني فإن من حقي أن أقاضيك، ومن حقي أن أقاضي هذا الفاسق الذي جعل نفسه شتاما للناس، مغتابا لهم، بهاتا. وأنني أنذر أصحاب المآتم الذين سمحوا لهؤلاء الفسقة بشتمي وشتم غيري في عشرة محرم أن يسارعوا بالاعتذار إلي وإلى غيري من العلماء اعتذارا رسميا مكتوبا وإلا فلي ولبقية العلماء الحق في مقاضاتهم، في أي وقت شئنا، حقا لا يسقط بمضي الأيام، في أي فرصة، اليوم، بعد شهر، بعد سنة، أي وقت نريد أن نقاضيهم فلنا الحق إذا لم يبادروا ويسارعوا بالاعتذار كتابيا، وننذر من يجري هذا المجرى في المستقبل.

على أي حال لا أريد أن أتجه في هذا الاتجاه كثيرا ولكنني أقول إن هذه الطريق الشائكة التي يريد الفاشلون أن يسلكوها، عليهم أن يتركوها، يكفي عشر سنوات أو تزيد والعلماء في البحرين صابرون على كل ما يقال عنهم، لا يردون بكلمة، لا يجازون مسيئا على إساءته. يعقدون الاجتماعات في قم لتحطيمهم وهم هنا في البحرين يركضون ويعملون من أجل أن تسمح الدولة لهم بالرجوع، هكذا كان العلماء، وفعلا تمكنوا من أن يتركوا الدولة تسمح لهم بالرجوع، ماذا كانت النتيجة؟ استغلوا وجودهم في البلد لثلاث أو أربع سنوات لزيادة التشويه على العلماء، أربع سنوات ونحن نسمع كل ما يقال في أي مسجد في البحرين، ونصبر ونقول كما قال الشاعر:

قومي همُ قتلوا أميمَ أخي       فإذا رميت يصيبني سهمي

ونقول إنهم منا فإذا رميناهم فإن السهم أيضا يكون فينا، ولكن يبدو أن الأمر لن يقف إلى حد، وأن الحلم إذا تجاوز حده ربما انقلب إلى خَرَق وإلى عجز وإلى خَوَر، لابد أن يكون للحلم حدود، ولابد أن يكون للصبر حدود، وإذا كان الفاشلون يرغبون في فتح معركة من هذا النوع فإنهم سيكونون فيها هم الخاسرون، نحن ننذرهم ترك هذا الطريق.

أنت أردت أن تقوم بحركة، أنت لم تنسق معي، لم تشاورني، لماذا يكون عليّ اللوم إذا لم أقف معك، هل تريد أن تجعلني خشبة على لعبة مسرحك؟ أنا نفسي من اللاعبين، بل أنا أشطر منك في اللعبة السياسية، إذا كنت تتجاهلني، تأتي وتصرخ علي: ماذا فعل العلماء؟ ماذا تريد العلماء أن يفعلوا لك؟ هل نسقت معهم؟ هل شاورتهم؟ أنت دبرت الأمر ضد هذا الشعب وضد هذه الطائفة بليل، ولقد أشرتُ ومنذ السنة الماضية في شهور صفر وربيع الأول وربيع الثاني وجمادى الأول في خطب متعددة إلى ما يدبر بليل، ولكن ما كان لي أن أصرح عما يدبر بليل، ولكنني أشرت، وأشرت وقلت إن رؤساء الأحزاب وسائر السياسيين لا يهمهم أن يستغلوا أي شئ للوصول إلى أغراضهم، وقلت إنني آسَفُ لبعض طلبة العلم أن يرضوا أن يكونوا مطايا لرؤساء الأحزاب وأذنابا لهم. راجعوا الخطب، تجدون أن هذا الكلام قد قيل في السنة الماضية، ولكن لا الناس الجالسين فهموا، ولا هم تعقلوا الرسالة، ولا غيرهم فَهِم، وكانت هذه الأزمة التي لا نزال نعيش فيها.

إذا كانوا يعلمون أو إذا كانوا يظنون أننا لا نعرف المصادر، ولا نعرف كيف دبرت الأمور، فهم غافلون، وخير لهم أن لا يُلجِئونا إلى أن نفضح ما لا يرغبون في كشفه، وأن يوقفوا هذه الأعمال الطائشة.

أقول هذا لهم وأنا صادق فيما أقول، أنا لست مثلهم يعتمد على الأكاذيب والأراجيف، أنا لست مثلهم يختلق الحوادث، إذا كانوا يريدون أن أخبر الناس لماذا صدرت نشرة منبر الجمعة، ومن هم الأعضاء الذين دبروها، وما هي الاجتماعات التي عقدت في البحرين أو خارج البحرين لإصدارها، فأنا مستعد أن أخبر الناس إذا كانوا يرون أن ذلك في مصلحتهم، ولكنني تركتها ولم أفضحها لأنها أظهرت للناس الفكر الذي يحمل والذي يراد بثه إنما هو ملء الناس، إنما هو إشعال عواطف الناس، وكانت النتيجة ما حصل.

وعندما حصلت الأزمة مددت يدي لهم, ومد العلماء أيديهم لهم للتعاون، ولتحقيق الخير للناس فأبوا ذلك، أبوا إلا أن يرضى وأن يخضع العلماء فيسيروا في ركاب السادة الذين يسيرونهم، ويأبى العلماء أن يكونوا أخشابا يسيرهم رئيس حزب لا يستحي على وجهه أن يتحد مع الشيوعيين، وأن يتفق مع الشيوعيين، وليعلم ذلك هذا الإنسان الذي لا يزال يدبر ويخطط وهو خارج البحرين.

على أي حال، هذه الكلمة هي مجرد رسالة أرجو أن لا أحتاج إلى تكرارها، وإلى توضيح أكثر ما يكون.

أما عن الكلام عن شأن جدحفص، وعن بعض الأمور التي تحتاج إلى علاج في جدحفص فسوف أرجئها إلى كلمة أخرى.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

 *  كلمة ألقاها الشيخ سليمان المدني في ليلة الثلاثاء 19/6/1995م بجامع جدحفص

[1]  النساء: من الآية43

آخر تعديل في الإثنين, 29 مارس 2021

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.