almuhadhrat

توضيح

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا أشرف الأنبياء والمرسلين محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

نظرا لتقدم بعض محبي الخير للكف عن الأسلوب الذي ابتدأنا به الكلمة الماضية، وإعطاء الفرصة والحلم أكثر كما يقولون فإننا نكتفي في هذه الكلمة، ببيان بعض الأمور التي حاول أتباع الأحزاب هنا في البحرين استغلالها، وترويجها على أذهان البسطاء من الناس، وهي تتلخص في نقاط في الكلمة الماضية:

النقطة الأولى، أن كثيرا من الناس صدق هؤلاء الأحزاب بأنني أفسق العلماء أو كل القائمين بالحركة، وهذا وهم، بل تصريح القول في الكلمة أن التفسيق مساق فيها للذين يغتابون العلماء ويشوهون عليهم و يكرهونهم عند الناس، ولا إشكال أن الغيبة والتشهير محرمان في الشريعة الإسلامية، بل هما من أكبر الكبائر المنصوص عليها في القرآن الكريم, سواء كانت لعالم أو إنسان عادي مسلم، أي مسلم، لا يجوز غيبته ولا التشهير به، ومن يخالف صريح القرآن ونصه لا إشكال في كونه فاسقا، وأن أي خطيب وإن لبس العمة وإن تزيا بزي أهل العلم، لأن الحكم الشرعي لا يفرق فيه بين العالم وغير العالم، فإذا ارتكب الإنسان عملا يوجب التفسيق يكون فاسقا، سواء كان خطيبا، أو كان كاتبا، أو كان مثقفا أو كان أميا، إذا اغتاب فهو فاسق، وإذا شهر بالناس فهو فاسق، والتفسيق واضح في الكلمة أنه لأولئك الذين جعلوا أنفسهم أبواقا للشيطان، وأخذوا يشهرون على علماء البحرين ويغتابونهم، وخصصت بالذات الذين تكلموا واستغلوا المنابر الحسينية، وإلا فهذا الحكم الشرعي يشمل من يقوم بهذا العمل حتى  إذا كان يقوم به في مجلس، أو في مدرسة، أو في سوق، أو في دكان، أي إنسان يغتاب مسلما فهو فاسق، وأي  إنسان يشهر بمسلم فهو فاسق. هذا لا إشكال فيه ولا تراجع عنه، وهذه هي النقطة الأولى.

النقطة الثانية التي حاول أن يروج لها هؤلاء على البسطاء وعلى الشباب وعلى الناس، مستغلين أن الناس تنسى سريعا، وإلا فما أشرت إليه كان أن ينبغي أن يلتفت إليه الناس ولا يتمكن أحد أن يروج عليهم الأباطيل، فهي لما تكلمت عن محاربة الأحزاب للعلماء وبالخصوص لي ومنذ أكثر من عشر سنوات حملوا هذا الكلام على أشخاص أعزاء وأصدقاء علي مثلا مثل أبي سامي، أو أبي جميل، أو الشيخ علي، أو غيرهم، والغريب أن القرائن في الكلمة واضحة، ففي الكلمة لفظة [وإنني لأستغرب أو وإنني لأتعجب من انصياع بعض طلبة العلم إليهم]، كيف أقول هذا إذا كان هم من العلماء، هل هناك استغراب أن تنصاع بعض طلبة العلم إلى بعض آخر، أو بعض طلبة العلم إلى العلماء ممن هم أكبر منهم، إذن كيف استغرب أنا هذا إذا كنت أقصد بهم قسما من العلماء.

لا إشكال أن هؤلاء الذين اتهمتهم بالحزبية وأنهم يخططون في خارج البحرين، ليسوا من العلماء أبدا، وأنا أرشدكم إلى قرائن خارجية ينبغي أن لا تذهب عن بالكم والمعظم قد قرأها تقريبا. في يوم أحد عشر ديسمبر سنة ألف وتسعمائة وأربع وتسعين أي بعد ثمانية أيام تقريبا من اعتقال الشيخ علي سلمان، وبينما كان الشباب والمشايخ يقفون في مسجد ناصر الدين في بلاد القديم، وزع منشور باسم تجمع حزبي معين، هذا المنشور نسب فيه العلماء إلى العمالة، وإلى الخيانة، وإلى مساعدة الظلم، وإلى مساعدة الجور، وإلى السكوت عن الحق، وحتى أنه ليس فيه على الدولة التي قامت باعتقال الشيخ علي سلمان واحد من عشرة مما فيه على علماء البحرين، ويمكنكم الرجوع إلى هذا المنشور الذي وزع وهو موقع بتوقيع تجمع حزبي معين.

وقد عاتبت الشيخين الأجلين في ذلك الوقت، الشيخ  حمزة الديري والشيخ خليل سلطان وقلت لهما كيف سمحتما بأن يتوزع هذا المنشور على الشباب، وأنتما تقفان هناك؟ فاعتذر الشيخ خليل سلطان أنه لا يذهب يوميا إلى بلاد القديم ولا يعلم به ولم ير أحدا يوزعه، واعتذر الشيخ حمزة الديري بأن العلماء هناك يقفون داخل المسجد، وربما جاء أحد ووزع هذا المنشور على الشباب الذين يقفون خارج المسجد ولم يلتفت إليه العلماء وانصرف.

ثم استمرت حملة أتباع هذا التجمع على العلماء، في كل يوم يأتي بإشاعة عن عالم، يوما يأتون ويقولون إن الشيخ أحمد الشيخ خلف قال كذا وكذا، ما هو الدليل؟ قالوا سنأتيك بالشريط ثم لا يأتون بالشريط. استأجروا أبواقا وساقوها من الفسقة في شهر رمضان على منابر سترة للتأليب على الشيخ منصور الستري تأليبا كثيرا حتى أدى ذلك كما علمتم إلى الحادثة التي حصلت في جامع سترة في يوم العيد. واستمرت هذه الإشاعات، حتى أن بعض الشباب يخبرني أن من يدافع عن الشيخ منصور أو الشيخ أحمد عند بعض المغفلين من الشباب الذين لا يستمعون إلا إلى أمثال هؤلاء ولا يحضرون مجالس العلماء، يستعجبون منه كيف تدافع عن الشيخ منصور أو عن الشيخ أحمد.

إلى هذا الحد وصل الأمر بسبب عمل هذه الكوادر الحزبية واستغلالها للأحداث التي وقعت مؤخرا في البحرين.

بالنسبة لي، في كل صبيحة يوم وعشيتها أسمع إشاعة تقال عني في البحرين لا علم لي بها ولا خبر, وحتى في الأيام المتأخرة حاولوا أن يأخذوا فقرات مبتورة من الخطب التي ألقيها ليشوهوا بها علي كما كانوا يفعلون في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات من بتر الألفاظ في المحاضرات التي أقولها أو في أجوبة المسائل التي أجيب عنها ويدبلجونها في أشرطة ويدورون بها على الناس، أيضا قاموا بهذه العملية في هذه الأحداث وأخذوا يحاولون بتر فقرات من الخطب والكلمات والمحاضرات التي أقولها ليشوهوا بها علي. ولقد أعلنت فوق منبر الجمعة إن أي جملة أو فقرة أو غير ذلك تبتر، لا أعترف بها ولا تنسب إلي، وحتى في الخطب المتأخرة، كالخطبة التي ألقيتها في اليوم الرابع من محرم الحالي قطعوا منها بعض الفقرات وأخذوا يدورون بها على الناس ليشوهوا بها علي، بل إن بعض أتباع هذه الأحزاب وفي مساجد قريبة من هذه البلدة، علقوا منشورات بخط أيديهم يدعون فيها أنني قلت كذا وكذا والحال أنني لم أقل، والخطب كلها ولله الحمد مسجلة ومكتوبة وغير ذلك وهذه المفتريات لا تزال ماضية.

واستمر الحال في هذا الموضوع إلى أن جاء اليوم العاشر من شهر إبريل من هذا العام أي سنة ألف وتسعمائة وخمسة وتسعين، اتصل بي شخص مجهول من خارج البحرين، وقال لي عليك أن تستقيل من القضاء لأنه إذا لم تستقل فإنك تتسبب في حرمان الشعب من حقوقه، وأمثال ذلك من الكلام . قلت له يا أخي إنني لا أؤمن بالتصعيد وإنما أؤمن بالتهدئة والحوار، وتحقيق ما يمكن تحقيقه من المطالب عن طريق الحوار، وأخذ يصرخ في الهاتف صراخا شديدا، على أي حال تركته وسددت الهاتف في وجهه، وفي الحقيقة لم أعرف هذا الشخص لأنني لست متأكدا من صوته تماما، وبعد أيام قليلة وفي يوم 16 أبريل بالضبط وصلت إلي رسالة بالفاكس من خارج البحرين فيها من الشتم والافتراء والتقريع والبهتان والزور ما شاء الله، صفحة كاملة من صفحات الفاكس، ومع ذلك يقول في آخرها إنه لا يريد التشهير بي، وإنما يريد أن ينصحني قربة إلى الله تعالى، وظننت أن الكلام من هذه الجماعة سيكون حقا، ولكن عندما سافرت إلى الحج ووصلت إلى مكة، اتصل بي أحد الطلاب الذين يدرسون في إحدى البلاد الأوروبية ليسألني عن بعض المسائل، وبعد أن انتهى من المسائل الشرعية التي كان يود أن يستفسر عنها، قال لي يبلغك السلام فلان وفلان وفلان وهم جماعة من العلماء الذين في الخارج وقال إن هؤلاء العلماء يأسفون للجماعة في الرسالة التي أصدروها ضدك وهم يتبرؤون منها، ولكن ليس بإمكانهم أن يعملوا شيئا، قلت له ما دام إنها أرسلت لي شخصيا ولم تنشر، سأسامح من كتبوها، قال لا، لقد عممت ووزعت.

وفعلا عندما رجعت إلى البحرين وجدت هذه الرسالة قد عممت على كل من عنده فاكس ووزعت في المساجد، ورميت في المآتم و نشرت في جميع القرى وجميع المدن وربما في خارج البحرين أكثر. والغريب في هذه الرسالة وهي في الشتم تحتج وتقول إن بيوت الشيخ منصور الستري اعتدي عليها وأن هذا لم يحرك منك ولا شعرة، ناسين أنهم لا يرون للشيخ منصور الستري حرمة، بل يرون أن الذي يدافع عنه كأنما يدافع عن كافر، وناسين أيضا أنهم تسببوا له في إهانات كثيرة، وناسين إن الشيخ منصور الستري نفسه لم يستقل من القضاء بسبب ما وقع على بيوته، ولم يخرج للتصعيد كما يرغب هؤلاء لأنه اعتدي على بيوته.

على أي حال، من يريد أن يشتم ومن يريد أن يعبث، لسان الإنسان شحمة في فكه وقلمه بين يديه ويكتب ما يشاء خاصة إذا كان في مكان يأمن فيه العقاب. فإذن الذين قلت عنهم انهم أحزاب وأنهم اتفقوا مع الشيوعيين لا علاقة له بأحد من أهل العلم أبدا، وعلى الناس أن تتذكر كل ذلك، ولا ينبغي للشباب، ولا ينبغي للناس أن تنسى ما يحصل في الساحة بين ليلة وأخرى.

هناك نقطة ثالثة يشوه بها بعض المغرضين، يقولون كيف يقول إن طلبة قم كانوا يعقدون اجتماعات لتشويه العلماء، وحاولوا تأويل ذلك بأنني اعني أبا سامي الشيخ عيسى قاسم، وهذا أمر عجيب ففي ذلك الوقت كان الشيخ عيسى في البحرين وليس في قم عندما كان العلماء يتحركون على أن تسمح الدولة للطلبة الذين في قم ممنوعين من النزول إلى البحرين، كان الشيخ عيسى في البحرين، وكان جوازه أيضا عند الدولة وكان ممنوعا عن السفر، وقد حصل على جوازه أيضا بناءً على هذا التحرك الذي قام به العلماء، والشيخ عيسى نفسه يعلم ذلك, وإذا كان بعض الخطباء ممن جاء من قم يقول إننا لم نسمع بأن العلماء تحركوا على قضيتنا فالشيخ عيسى قاسم نفسه يعلم أن العلماء هم الذين تحركوا على قضية الطلاب الذين في قم والسماح لهم بالرجوع إلى البحرين.

على أي حال، القضية أنا سقتها مهملة، يعني فرق بين القضية المسورة بأن أقول "بعض" أو أقول "كل" أو أطلقها وأقول طلبة قم فتكون قضية مهملة، هذا الرجل الذي أخذ يروج لهذه الأمور يدعي لنفسه أنه من أكبر دارسي المنطق والفلسفة حتى سمعت أنه أصدر أو بصدد إصدار كتاب في تفكيك عبارات بعض الكتب الفلسفية. ولا يعرف الفرق بين القضية المهملة التي لا تفيد إلا الإجمال و يكون معناها مجملا وبين القضية المسورة التي يكون معناها مفصلا، يقول إن فلاناً عمم، والعموم يشمل الجميع بينما الإهمال يجمل، لا يعرف منه الجميع أو البعض أو شخص واحد أو شخصين أو ثلاثة، لأن المعنى المجمل غير المعنى المفصل بالعموم أو الخصوص، وهذا إنسان يدعي أنه من طلبة العلم، ولكن لا نعجب أن بعض طلبة العلم لا يعرف حتى شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إذا كان هذا يدعي أنه يفكك عبارات كتاب فلسفي وهو لا يعرف الفرق بين القضايا المسورة منها والمهملة.

على أي حال، نعم هناك من طلبة قم من كان يعقد هذه الاجتماعات، وإذا أذن الله سبحانه وتعالى ووفق بأن يفتح الباب من جديد وجاء الاخوة طلبة العلم من قم يمكنكم أن تسألوهم وهم الذين سيخبرونكم بهذه الأسماء، أما أنا فلا أريد أن أتكلم باسم أحد. هذه هي النقطة الثالثة.

النقطة الرابعة التي أثاروها، قالوا إن الإنسان ينبغي عليه أن يتواضع، وفلان في هذه الكلمة قد تكبر كثيرا وتبجح كثيرا وافتخر كثيرا، وخاطب هؤلاء وقال أنني أقدر منكم على اللعب بالورقة السياسية أو أشطر منكم في اللعبة السياسية. أقول إنه لا إشكال أن العالم لا ينبغي له أن يفتخر بعلمه أو العارف لا ينبغي له أن يفتخر بمعرفته، وأعتقد إن جميع الناس في البحرين كلهم لم يسمعوا في يوم من الأيام مني كلمة تشير إلى فخر، وحتى إذا سئلت عن مركزي العلمي مثلا وما هو درجتي العلمية، أرفض الجواب، و أقول لهم اسألوا أهل الخبرة، وأرفض أن أجيب عن نفسي، ولكن هناك شئ وهو أن الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم في مقام التحدي لخصومهم، إذا وجدوا أن الخصوم يريدون أن يغمطوا حقهم، إذا رأوا أن الخصوم يريدون أن ينزلوا درجتهم عمدا، يفتخرون ويظهرون تلك الدرجة، من هؤلاء أمير المؤمنين وسيد المتقين وقائد المسلمين وهو أشد الناس تواضعا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله، من يقرأ في خطبه وكلماته في أيام صفين وفي أيام خلافته، أو في أيام الاحتجاجات في قضية الخلافة، يجده يفتخر، يقول في الشقشقية "لقد تقمصها ابن أبي قحافة وإنه ليعلم أن محلي منها محل القطب من الرحى ينزل عني السيل ولا يرقى إلى الطير"، ويقول أيضا "إنني أولكم إسلاما"، و"أنا أعلمكم بكتاب الله ناسخه ومنسوخه"، ويقول أيضا "لو ثنيت لي الوسادة لأفتيت أهل التوراة بتوراتهم وأهل الإنجيل بإنجيلهم" وما أكثر الكلمات التي كان يبين فضله فيها لأنه وجد أن خصومه يريدون أن يحطوا من شأنه.

طبعا سيرة الأئمة صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين موضع اقتداء، فأيضا إذا كان الخصوم يريدون أن يحطوا من منزلة شخص، ويشوهوا عليه، ويفهموا الناس أن عليه أيضا أن يتبعهم من دون أن يتكلم لأنهم فقط هم الذين يخلصون للشعب وأنهم فقط هم الذين يعملون للشعب، وفقط هم يعرفون كيف يتصرفون، عندئذ يجب على الإنسان أيضا أن يظهر فضله، أن يتحداهم كما يتحدونه، هذه نقاط أربع وأترك الكلام  في هذا الشأن وإعطاء فرصة  لترك التشويه علي وعلى غيري من العلماء استجابة لطالبي الخير واستجابة للذين تعرضوا وطلبوا مزيدا من الصبر والحلم، وإن كنت أرى أن الصبر أكثر من عشر سنوات والحلم أكثر من عشر سنوات، ربما يعد خرقا أو عجزا أو ضعفا أو تصحيحا وتصديقا لما يقال ويشاع، ولكنني استجابة للمخلصين أكف عنهم ولا أسايرهم في هذه الحرب لعلهم يتركونها من أنفسهم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

*  كلمة ألقاها الشيخ سليمان المدني في ليلة الثلاثاء 26/6/1995م بجامع جدحفص توضيحا للكلمة السابقة (رسالة) كشفاً للشبه التي حاول البعض تلبيسها.

آخر تعديل في الإثنين, 29 مارس 2021

مؤسسة إسلامية تُعنى بحفظ تراث العلامة الشيخ سليمان المدني (قده) ونشره، وحفظ المبادئ والقيم والثوابت التي ينتمي إليها سماحته، والتي دافع عنها طول حياته.